بدت القمة التي عقدها حلف شمال الأطلسي، الخميس، على مقاس مطالب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، السياسية والأمنية. إذ لم يتردد الرئيس الأميركي الذي التقى زعماء حلف الناتو للمرة الأولى في حثهم بقوة على زيادة الإنفاق على قطاع الدفاع، والمشاركة الفعلية في تحمل عبء النفقات العسكرية للحلف.
وساد صمت رهيب وهو يتوجه إلى القادة 27 الآخرين ليشير إلى أن مجموعة من بلدان الناتو لا تلتزم بدفع نصيبها من نفقات الحلف. وقال ترامب في خطابه قبل بدء أشغال القمة: "إن 23 دولة من بين 28 دولة لم تدفع، حتى الآن، ما يجب عليها أن تدفعه وما يفترض أن تدفعه للدفاع عنها". مضيفاً أن "هذا غير عادل للشعب ولدافعي الضرائب في الولايات المتحدة".
وتطالب الولايات المتحدة، منذ سنوات، الحلفاء الأوروبيين بتخصيص نسبة 2 في المائة من الناتج القومي الإجمالي في بلدانهم لتمويل قطاع الدفاع، وهو ما وعدوا بتنفيذه في عام 2014 دون تحقيق ذلك حتى الآن. غير أنهم تعهدوا، تحت ضغط ترامب، بتقديم خطط سنوية توضح كيفية تحقيق هذه الأهداف.
وكانت الإدارة الأميركية الجديدة قد أعلنت تخصيص نفقات إضافية لقوات الردع الأميركية على التراب الأوروبي، بزيادة تصل إلى 40 في المائة في عام 2018 مقارنة بعام 2017. وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً على الدول الأعضاء التي لم يتردد أمين عام الناتو، ينس ستولنبرغ، في تحذيرها بأن "الزيادة في إنفاق الولايات المتحدة لا ينبغي أن تمنع الأوروبيين من بذل المزيد من الجهود. فنحن بحاجة إلى ذلك".
كما تم اعتماد ملف انضمام الحلف الأطلسي إلى التحالف الدولي لقتال ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بشكل رسمي. ورغم أن الانضمام لا يعني، بحسب أمين عام حلف الناتو، أن الحلف سوف يشارك في العمليات القتالية، لكن القرار "سيبعث بإشارة سياسية قوية ورسالة وحدة في مكافحة الإرهاب، وسيوفر أيضاً منبراً عملياً أفضل للتنسيق بشأن جهود منظمة حلف شمال الأطلسي وجهود بقية التحالف"، فإنه يشكل الخطوة الأولى التي طالما عارضتها دول مثل ألمانيا. خطوة قد تليها خطوات أخرى تجعل من الناتو الذراع العسكرية الفعلية في مواجهة الإرهاب. فاستجابة أعضاء الناتو أيضاً لمطالب الرئيس الأميركي، بالسماح للحلف بتشكيل وحدة مخابرات لمحاربة الإرهاب لتحسين تبادل المعلومات، وذلك لبذل مزيد من الجهود في محاربة الإرهاب، ينذر بالتوجه الذي بدأ يطغى داخل المنظومة الأطلسية.
وعلى صدى هجمات مانشستر، خيم ملف محاربة ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على قمة حلف شمال الأطلسي. فعند تأسيسه في عام 1949، بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب الخوف من توسع الاتحاد السوفييتي، لم يكن الحلفاء يتخيلون أن ملف مكافحة الإرهاب سيتحول إلى ملف رئيسي على جدول أعمال كل اجتماعاتهم وقممهم. فالعالم تغير جذرياً منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وكما يقول الخبير في الشؤون الأمنية، كارلو لويجي لـ"العربي الجديد"، فإن "مسألة تبادل المعلومات عن طريق أجهزة المخابرات المختلفة، العربية والتابعة للحلفاء وروسيا بخصوص تنظيمي داعش والقاعدة سيكون التحدي الحقيقي في ملف مكافحة الإرهاب. والسؤال المطروح هو إلى أي مدى يمكن تقاسم، مع أطراف أخرى، معلومات تمس الأمن القومي أو خصوصية المواطنين. وما الذي تستطيع مثلاً أن تكشف عنه الصحافة دون تعريض التحقيقات للخطر".
وأضاف: "لمدة طويلة، كانت خمس دول، هي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا تسيطر من الناحية التكنولوجية وأجهزة الاستخبارات على كل المعلومات التي تتبادلها فقط وبشكل مقنن بينها. ولكن الحرب ضد الإرهاب الدولي تتطلب مراجعة هذه الاستراتيجية وتبادل أكثر للمعلومات". مشيراً إلى أن الناتو يلعب بالفعل دوراً في التحالف ضد ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" عبر طلعات المراقبة التي تنفذها طائرات الأواكس في السماء التركية والبحر الأبيض المتوسط وتدريب الجيش العراقي. موضحاً أن الانضمام إلى التحالف ضد "داعش" يشكل خطوة أخرى مهمة.
وفي عام 2003، رفضت مجموعة من البلدان مشاركة حلف شمال الأطلسي في الحرب التي كانت القوات العراقية تشنها في العراق. أما في عام 2017، فلا تقف أي دولة لعرقلة انضمام الناتو إلى التحالف الدولي ضد "داعش" بشرط عدم المشاركة في مهمة قتالية.