"رسالة نوايا" إخوانية في الأردن
أما وقد حسمت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أمرها، وقررت المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي، فإنّ الهدف الرئيس من ذلك أقرب إلى "رسالة نوايا" إلى الدولة، برغبة الجماعة في تجاوز الأزمة المتراكمة مع الحكومات، والدخول في مرحلةٍ جديدةٍ لاستعادة العلاقة الجيدة بين الطرفين.
لم يمرّ قرار "الإخوان" من دون انتقاداتٍ من الخارج، وجدل كبير في أوساط القواعد، نتيجة الظروف الراهنة مما تعتبره الحركة تضييقاً رسمياً عليها، والأهم عدم الشعور بأنّ الانتخابات ستحدث فرقاً سياسياً يذكر. وعليه لا تتجاوز مشاركة الإخوان القاعدة المعروفة التي أشار إليها الباحث الأميركي، ناثان براون، "المشاركة لا المغالبة” في كتابه "When Victory is not an Option"، أي الحصول على مقاعد في مجلس النواب المقبل، لضمان البقاء في إطار اللعبة السياسية.
لكن هل ستخفّف هذه المشاركة من وطأة الأزمة الراهنة بين الجماعة والدولة؟ في دراسة جديدة بعنوان "الصراع على قواعد اللعبة الجديدة: الدولة وجماعة الإخوان في الأردن" (نشرتُها مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية)، تناولت الأزمة الحالية وجذورها وديناميكيتها وتطوّرها، والمسار المتراكم الذي تشكّلت من خلاله، عبر ثلاثة عقود، حتى وصلنا اليوم إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين قانونياً، والتأكيد على أنّها لا تتمتع بأي وجود سياسي معترف به، وبالتالي دفعها إلى الاكتفاء بالحزب ممثلا سياسيا للجماعة، والفصل بين الدعوي والسياسي، وهي الأمور التي قبلت فيها عملياً، لكن الخلاف ما يزال حول الشرعية القانونية للجماعة. واستعرضتُ في الدراسة حالة انقسام واضح وشديد في أوساط تيارات الجماعة وقياداتها، والتمييز بين سيناريوهين رئيسين:
الأول "الإيواء إلى الظل"، ويتبنّاه التيار العريض والكبير الذي يريد الحفاظ على إرث الجماعة ورمزيتها. وبالتالي، يرفض القبول بإلغائها، ويطرح "السيناريو المصري" في مرحلة ما قبل ثورة يناير، عندما كانت الجماعة محظورةً قانونياً، لكنّها قائمة فعلياً، ولديها مؤسساتها وأجهزتها ودورها، فيما يمثلها حزب سياسي في اللعبة السياسية.
السيناريو الثاني الموافقة على إلغاء الوجود القانوني للجماعة، والتحوّل نحو حزب سياسي محترف، كالحالة المغاربية (تونس والمغرب)، وهو أمر مقبول عند التيار الوسطي في الجماعة، لكنّه ما يزال رأي الأقلية. وعلى الرغم من إقرار التيار الوسطي بصعوبة تمرير هذا الخيار، إلّا أنّه ممكن في حال كان هنالك حوار معمّق بين الدولة والجماعة على قواعد اللعبة الجديدة، بما يسمح للتيار الوسطي بتمرير خيار التحوّل نحو حزب، وهو أمر يحتاج إلى وقت وتدرّج، لأنّه يمثّل تحولاً استراتيجياً كبيراً في فكر "الإخوان"، غير مهيئين له بعد، وقد تعوّدوا على العمل السرّي خلال فترة طويلة (قاعدة سريّة التنظيم وعلنية الدعوة)، وعلى الجمع بين المجالات السياسية والدعوية والخدماتية المتنوعة.
يتحدّث قادة الجماعة (كما في الدراسة) عما يسمّونه "الخيار الآمن" للممر الإجباري في حال التحول نحو حزب سياسي محترف، فإنّ ذلك يتطلب شراكةً بين الدولة والجماعة للوصول إلى تفاهماتٍ وتوافقاتٍ لتأسيس جمعيات دعوية مستقلة، والاكتفاء سياسياً بحزب سياسي.
تحدّثت معي قيادية بارزة في الجماعة، بعد نشر الدراسة، تنتقد النتيجة التي توصلت إليها، أنّ عودة العلاقة بين الجماعة (كجماعة) والدولة لم تعد أمراً ممكناً، وترى أنها نتيجة حتمية لا تتسق مع طبيعة البحث العلمي التي تقوم على الاحتمالات، وهو تعليق صحيح من حيث المبدأ، لكن الدراسة أوردت مؤشرات ومتغيرات رئيسية، تؤكّد على أنّه، من الناحية العملية، تصعب جداً العودة إلى الوراء، فقضية أنّ "الجماعة" هي "الخصم رقم 1" للدولة تجاوزت اليوم القناعة إلى مرتبة "العقيدة" التي تحكم سياسات الدولة، منذ فترة طويلة.
ذلك لا يسقط بالضرورة على العلاقة مع جبهة العمل الإسلامي، في حال تم التوافق على قواعد جديدة للعبة السياسية، ولا ينطبق على تحولاتٍ مفاجئةٍ في الأوضاع الداخلية أو الخارجية، لكن ضمن المعطيات الموجودة في العلاقة بين الدولة والجماعة، فإنّ المعادلة القديمة انتهت، ومن الضروري البحث عن "قواعد جديدة"، تضع تصوّراً للأرض المشتركة التي يمكن أن يقف عليها الطرفان في المرحلة المقبلة.