"مع وقف التنفيذ" والأجندة المكشوفة
يرمي نص مسلسل "مع وقف التنفيذ" الكرة في مرمى الشعب السوري المقهور، الممزقة شباكه، المصادرة حريته، المكتومة أنفاسه، من خلال تصدير مقولة "العيب فيكم، أيها الشعب الفاسد الناكر للجميل!"، ويحمّله بالكامل مسؤولية الانفلات الأمني والعجز الاقتصادي والترهل الإداري والفقر المدقع وانقطاع التيار الكهربائي وشحّ الماء وندرة الغاز والمحروقات وانهيار العملة وغلاء الأسعار والبطالة والتهريب والجريمة والنزوح الجماعي، بعيدا عن حضن الوطن الدافئ الحنون!
العمل الذي يعالج أثر الحرب المدمر في نفسيات السوريين، بحسب صنّاعه، من إخراج سيف الدين السبيعي، وتأليف علي وجيه ويامن حجلي، وتمثيل عباس النوري وسلاف فواخرجي وفايز قزق وصفاء سلطان وشكران مرتجى وغيرهم. يتناول النص، المكتوب بدهاء وفق أجندة مكشوفة الأغراض، اللحظة السورية الراهنة وتداعيات الحرب الدامية من خلال صراعاتٍ عنيفة بين شخصيات العمل الفارقة ملامحها من حيث التنافس الشرس على النهب والسلب واستثمار حالة الفوضى لتحقيق المصالح في تجسيدٍ للجشع والفساد والانحطاط الأخلاقي الذي يميز معظم تلك الشخصيات.
قد يستغرب المتلقي البريء، للوهلة الأولى، جرأة العمل، فيتوهم فيه توفر شروط حرية التعبير من الموضوعية والنزاهة والأمانة للواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوري، خصوصا حينما يعرض مدى فساد رجال الأجهزة الأمنية وقسوتهم ووحشيتهم، وهم الذين يستثمرون مواقعهم لتحقيق مكاسب مادية، ويتطرّق إلى تواطئهم مع رأس المال المتنفذ ورموزه من أثرياء الحرب، غير أن المسلسل يبرئ، في الوقت ذاته، رأس النظام، من خلال مشهد خاطف يظهر فيه ممثل يؤدّي دور رئيس مجلس الشعب، بصورة الرصين الخلوق المخلص لوطنه، وهو يحذّر بعض النواب الفاسدين من مغبة أعمالهم المسيئة للوطن.
والحقّ أن "مع وقف التنفيذ"، رغم مقولته المشبوهة، متقدّم جدا من الناحية الفنية، وقد حقّق أعلى المشاهدات بحسب إحصائيات رمضانية، لأسباب عديدة، أهمها النص المكتوب بشكل رشيق ذكي، من حيث عنصر التشويق وزخم الأحداث وسرعة تصاعدها وتعدّد الخطوط الدرامية وتماسكها واعتماد أسلوب "الفلاش باك" المتبع في الأعمال الدرامية العالمية، إضافة إلى الطاقم النوعي من ممثلين بارعين أتقنوا تأدية أدوارهم بشكل مقنع، لعل أبرزهم عبّاس النوري الذي أدّى، باقتدار كبير، دور شخص انتهازي وصولي، يتمسّح برجال السلطة، ولا يتوانى عن التضحية بسمعة بناته في سبيل إشباع نهمه إلى المال. وكذلك سلاف فواخرجي التي أدت دور فتاة متسلقة جشعة، تنتمي إلى بيئة شعبية، خرجت من المناطق العشوائية، ورغم أنها ابنة شيخ جليل يحظى باحترام مجتمعه الصغير، إلا أنها بلا مبادئ، بدأت حياتها العملية بكتابة التقارير الأمنية بحق زميلاتها في الاتحاد النسائي. وقد أوصلتها هذه المواصفات إلى عضوية مجلس الشعب، فاستثمرت موقعها بالتعاون مع زوجها، رجل الدوله الذي يلعب دوره فايز قزق، في عمليات النصب والاحتيال والبلطجة، ما ساهم في صعودها الاجتماعي وتنفّذها وتسلّطها على الضعفاء. ويطلّ غسّان مسعود في دور المثقف المعارض، اليساري المهزوم الذي خرج من السجن مخذولا محطّم الأحلام، المصدوم بأبنائه، البنت الضائعة المستهترة المتأثرة بالثقافة الغربية من حيث المظهر، الطامحة إلى مغادرة البلاد في أسرع وقت، والابن الفنان الفاشل ومزوّر العملات الذي يتستر عليه الضابط في صفقةٍ تخرجه من المأزق، بفضل تدخل الوالد الذي يتوقف، بموجب الصفقة، عن الكتابة ضد السلطة.
ولا يخلو مسلسل "مع وقف التنفيذ" من جماليات على مستويات التصوير والموسيقى والإخراج، غير أن ذلك لا يغفر له خبث الرسائل الخفية التي يدسّها كما السم في العسل، وهي وظيفة تتقنها الدراما السورية تاريخيا، حين تتبنّى خطاب الدولة الكاذب والمجحف، وتتنكّر لعذابات الشعب السوري الذي عانى طويلا، بل تستثمرها دراميا بما يصبّ في صالح النظام، وبما يساهم في مزيد من الافتراء والتضليل.