04 نوفمبر 2024
أبوظبي وكوشنر.. وغيرهما
أن يكون في وسع سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، أن يضع في فم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ما يُراد منه أن يقول بشأن أزعومة قطر والإرهاب، فهذه شطارةٌ تُغبط عليها أبوظبي. وإذا صحّ أن للأخيرة تأثيرا نافذاً في البيت الأبيض، بعد دورٍ لها في إيصال ترامب إلى الرئاسة، فإن مقادير هذه الشطارة ستبعث على الإعجاب، فأي ملكاتٍ هذه التي لدى الإمارة الخليجية المذكورة تجعلها صاحبة قولٍ في توجهاتٍ سياسيةٍ لرئيس الدولة الأعظم، وأي مواهب لديها تؤهلها ليصير لها "جماعةٌ" في البيت الأبيض، ويكون لسفيرها مقدرةٌ تجعل مستشارين للرئيس العتيد في جيبها. وإذا كان المال هو ما صنع هذا الحال، فإن الحديث عن المؤسّسية في دواليب الحكم في الولايات المتحدة يصبح بلا معنى، ويصبح أي كلامٍ عن مصلحةٍ عامة وأمن قومي يسترشد بهما طبّاخو القرار في البيت الأبيض فاضيا.
ما يتدحرج أخيرا من أخبار، تطيّرها "سي إن إن" و"نيويورك تايمز"، مثلا، يفيد بأن تلك الشطارة كانت وهماً عارضا، وإنه حان وقت الصحو من الزهو الذي تختال به رؤوس الحاكمين في أبوظبي، فالباقي الوحيد من "جماعة" أبوظبي في البيت الأبيض، جاريد كوشنر، يتهيأ لصرفِه من موقعه مستشارا للرئيس، وعقلا يفكّر له في شؤون الخليج وفي صفقة السلام الموهومة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. والأرجح أن هذا الشاب لن يكون أكثر براعةً في حماية نفسه، وفي لملمة فضائحه، من زميليْه السابقين في دائرة والد زوجته، دونالد ترامب، الصقر الاستراتيجي ستيف بانون، ومستشار الأمن القومي مايكل فلين، والبادي أن منع الصهر الشاب من الاطلاع على التقارير الاستراتيجية الاستخبارية المرفوعة إلى الرئيس هي أولى خطوات إزاحته.
إنْ يبدو مبكّرا الاجتهاد أن البيت الأبيض ماضٍ إلى ضغط جدّي باتجاه حل الأزمة الخليجية، ودفْع من افتعلاها، أبوظبي والرياض، إلى الحوار مع الدوحة، فإن شيئا، في هذا السياق، يبقى غير مستبعد، ما دامت الرؤوس التي باعدت البيت الأبيض عن وزارتي الخارجية والدفاع في الأشهر الثلاثة الأولى للأزمة، بعد يونيو/ حزيران الماضي، تتساقط تباعا، وما دام التدبير الذي كان يتم التخطيط له، لإزاحة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، قد فشل. وإذا ما عوين مسار الموقف الأميركي عموما من الحالة الإماراتية السعودية تجاه قطر، بعد أن كفّ ترامب عن بث تغريداته إياها، أو ألزمته المؤسّسية الأميركية، في خارج البيت الأبيض، على وقفها، فإن الملحوظ أن هذا المسار يمضي باتجاه إنهاء الحالة الشاذة في منطقة الخليج. وفي الوسع أن يقال إنه إذا كان صحيحا أن عقد القمة الخليجية الأميركية في كامب ديفيد ليس مؤكدا بعد، وإن احتمال عقدها يساوي احتمال عدم عقدها، فإن في الوسع أن يُقال، في الوقت نفسه، إن من شأن الزّخم الذي تنشط فيه جهود المحقق الخاص بشأن التأثير الروسي المحتمل في حملة ترامب الانتخابية، روبرت مولر، أن يُحدِث انعكاساته المهمة في اتجاه حل الأزمة الخليجية، معطوفةً على مسعى الرجل إلى توسيع شغله، ليشمل التحقيق في تأثيرٍ إماراتي في الحملة، بل وفي ما بعدها في الأداء السياسي للبيت الأبيض، على ما كتبت "نيويورك تايمز".
في الأثناء، يتردّد أن ثمّة تململا، ولو بمقادير لا يُعتدّ بها حتى الآن، في العناد السعودي تجاه قطر، فإنه يتردّد أيضا أن شغلا إماراتيا ينشط، في هذه الأيام، من أجل أن يحافظ هذا العناد على السويّة التي تريدها أبوظبي، خصوصا قبل زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، واشنطن، بعد أيام، وبالطبع قبل محادثات أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع ترامب الشهر المقبل.
ثمّة ما سيتحرّك، ويكسر جمود الأزمة الخليجية، قريبا، متصلٌّ بالضرورة بمفاعيل الصخب الجاري في الولايات المتحدة بشأن مباذل جاريد كوشنر، وتحقيقات مولر، وهمّة وزيري الخارجية ريكس تيلرسون، والدفاع جيمس ماتيس، وقبل ذلك كله وبعده، بالشاغل الإيراني في المطبخ غير المنظور لصناعة القرار الأميركي. والحديث هنا عما قد ينجم عن الحركة المتوقعة ليس مبعثُه قلقا أو تشاؤما أو تفاؤلا.