أحرارٌ برواتب مرتفعة
المرتزق شخصٌ جرى استئجاره للقيام بعمل ما مقابل أجر مادي، أي أنّ الهدف الوحيد له هو التكسب، ومع الزمن اختص هذا المصطلح بأولئك الذين يتم استئجارهم في الحروب كمقاتلين يحاربون مقابل أجر مادي. ويشبه المرتزق، إلى حد بعيد، القاتل المأجور، الفرق الوحيد أنّ الأخير يعمل منفرداً، بينما يكون المرتزق ضمن تنظيم مسلح، وفي أحيانٍ كثيرة، يكون جندياً محترفاً خدم في جيش ما بهذه الصفة وتلقى تدريبه فيه. وإذا كان الجندي يخوض حروب بلده دفاعاً عنها أو احتلالاً باسمها، فإنّ الجندي المرتزق لا يعنيه ذلك في شيء، فهو، في أيّ لحظةٍ تكون فيها مكاسبه أكثر، يمكن أن ينتقل إلى القتال في صفوف الطرف المعادي حالياً. ويمكن للمرتزقة أن يكونوا تشكيلاً عسكرياً متكاملاً، وأحياناً يمكن أن يشكلوا جيشاً بأكمله، ما يسمح بإمكانية السيطرة على السلطة في هذا البلد أو ذاك. وقد عرف التاريخ حالاتٍ كثيرة سيطر فيها المرتزقة على بلدان كان قد جرى استئجارهم لخوض حروبها، ثم خرجوا عن السيطرة، واستمرّوا في حكمها فترات طويلة.
في زمننا المعاصر، استخدم المرتزقة كثيراً في الحروب الاستعمارية، إذ ضمّت الجيوش المستعمرة، للسيطرة على هذه المناطق الشاسعة التي احتلتها، فيالق من المرتزقة، ما زالت سيطرة بعضها على عدد من المستعمرات، ثم تراجع الاعتماد عليها فترة، حتى الحرب الأميركية على العراق، حين نشطت منظمات أطلق عليها تسميات مختلفة، ولها على الأخص صفة أمنية، اعتمدت بشكل أساسي على عناصر مرتزقة، على نمط جماعة "فاغنر" الروسية، كذلك التي تعتمد عليها روسيا بشكل كبير. وتكاد هذه المنظمات تكون رسمية، إذ يجري تمويلها من خزينة الدولة المخصصة للجيوش، ويقودها ضباط من هذه الجيوش، ربما يكونون متقاعدين. ولأنّ تسمية الجندي بالمرتزق أمرٌ يعتبر معيباً يُطلق بغرض الإساءة على أفراد من مهنٍ أخرى، يمارسون مهناً مختلفة تحتاج إلى أخلاق، يمارسونها من دون أخلاق، كالصحافيين على سبيل المثال، فإنّه يطلق على المرتزق مصطلح "الجندي المتعاقد" فهو يحارب في صفوف التشكيل بعقد عمل رسمي.
في الحرب الروسية الأوكرانية، حاول المرتزقة إعطاء بعد أخلاقي لعملهم، فالذين تقاطروا إلى ساح الوغى من الغرب وصفوا بالمتطوّعين الذين جاؤوا للدفاع عن الحرية، لكنّ هذه التسمية ليست سوى قناع لعملية الارتزاق، ومن خلال ما يتسرّب من معلومات، فإنّ أجر بعض الخبراء منهم قد يصل الى 2000 دولار في اليوم، وذلك بحسب معلوماتٍ وتسجيلاتٍ مسرّبة، تبين أنّ هناك مكاتب تنظم عمليات التطوّع هذه. وتؤكد مصادر روسية أنّ الولايات المتحدة تقوم، في قاعدة التنف في سورية، بتدريب عناصر إرهابية، لإرسالها للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني. على الطرف الآخر، تفيد المعلومات بأنّه يجري جمع فيلق من المرتزقة من محاربين شاركوا في الحرب السورية جنوداً خدموا ضمن تشكيلات عسكرية تابعة لروسيا، أو ضمن المليشيات المتعدّدة التابعة للسلطة بشكل غير رسمي، لكنّ حظ هؤلاء أقل من حظ زملائهم الذاهبين إلى أوكرانيا، إذ حدّدت مخصصاتهم على فترة عقدهم الذي يبلغ سبعة أشهر بسبعة آلاف دولار. وتعداد هذا الفيلق، بحسب المعلومات، عشرة آلاف شخص. وبحسب معلومات أخرى، أكثر من ذلك بكثير. ولأنّ هذه الأرقام مغرية في سورية، ربما تدفع الظروف المعيشية الصعبة كثيرين من الشبّان إلى التطوع ضمن صفوف فيلق المرتزقة هذا.
وقد سبق لروسيا أن استخدمت هذه الطريقة من أجل إرسالهم لحماية المنشآت في ليبيا، وربما في غير ليبيا أيضاً، وهي تستخدم هذه الصيغة هنا أيضاً. ولا شك، يوحي الإقبال من كلا الطرفين على استقطاب المرتزقة، تحت أي اسم يُطلق عليهم، بطول أمد الحرب من جهة، ويوحي بطبيعة هذه الحرب من جهة أخرى. ولكن ما يدعو إلى القلق بشكل كبير أنه بعد استخدام السوريين في حروبٍ ليست حروبهم في أكثر من بلد أن يرتبط اسمهم بهذا الأمر، وأن يجري التعامل معهم جهة مصدرة للمرتزقة.