أهلا بعودتك أوباما
ربما، في حال ثبَتَ فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، يجب القول "أهلاً بعودتك باراك أوباما". لا أحد يمكن نكران العمل الجبّار الذي قام به الرئيس السابق في الشهر الأخير من الحملة الانتخابية. بايدن في ديلاوير، وأوباما يصول ويجول، ويتصل بالناخبين، كما ظهر في شريط دعائي لحملة بايدن. لا شيء مجانيا هنا. إنها أميركا. وقد يكون تدخّل أوباما في الأمتار الأخيرة حاسماً، لكنه كان محضّراً له سلفاً، مع اعتذار زوجته ميشيل، عن قبولها ترشيح بايدن لها لمنصب نيابة الرئيس. يكفي فقط النظر إلى هذا المثلث: بايدن الذي كان نائباً لأوباما بين عامي 2008 و2016، ونائبته كامالا هاريس، المرشّحة الأقوى لخلافته في انتخابات 2024، وأوباما، لإدراك أن التكتل المناوئ للرئيس دونالد ترامب، احتاج إلى تحشيدٍ فوق العادة لمنعه من الفوز بولاية رئاسية ثانية.
السؤال هنا يجب أن يتمحور حول "ماذا يريد أوباما؟"، لا "ماذا سيفعل بايدن في حال تأكّد فوزه؟". في الواقع، سيكون أمام أوباما هدف واحد: منع تمزق الأجنحة المتناقضة التي اتحدت في الحزب الديمقراطي لمواجهة ترامب حصراً، والتي تحتاج إلى ما يؤمّن وحدتها مع انتهاء عهد الأخير. وفي غياب "الخصم المشترك" سيكون بايدن أضعف من رفع أثقال أميركا، بل سيتعرّض لضرباتٍ عدة، سواء من داخل حزبه أو من مجلس الشيوخ، المتوقع أن يحافظ عليه الجمهوريون. مع العلم أن أمامه مهمتين قاسيتين: إعادة الاقتصاد ومواجهة كورونا، لا تستلزمان منه التردّد القاتل. كما أن اختياره هاريس الآتية من كاليفورنيا سيُشرّع الأبواب أمام مستقبل غامض. بايدن سيكون في ولايته الأولى والأخيرة، وسيفعل ما قد يفعله أي رئيسٍ في ولايته الثانية، أي التصرّف بأريحيةٍ مطلقةٍ من دون الأخذ بعين الاعتبار الترشّح لولاية جديدة. حسابات هاريس مختلفة قليلاً، إذ ترغب في أن تكون أول امرأة تترأس الولايات المتحدة في عام 2024، وثاني رئيسة متحدرة من كاليفورنيا بعد ريتشارد نيكسون (1969 ـ 1974). وبالتالي، ستعمل على إيجاد المحفّزات التي تؤدي إلى انتخابها في الاستحقاق المقبل.
شخصية بايدن المتردّدة نسبياً ستسمح في استيلاد ضبابية مكثفة في القرار الأميركي، في الداخل قبل الخارج. الرجل لم يثبت علوّ كعبه في المناظرتين الرئاسيتين مع ترامب. وهو ما يطرح علامة استفهام بشأن اختيارات الحزب الديمقراطي مرشحه، وقدرة هذا المرشح على تغيير منهج سياسي أرساه ترامب في السنوات الأربع الماضية. هنا يأتي دور أوباما عبر صياغة مسارٍ يسمح بتعبيد الطريق لهاريس لخلافة بايدن. لكن الشكوك كثيرة حول أوباما بالذات، الذي تميزت ولايتاه بالقرارات المتردّدة، وفي تراجع الدور الأميركي على مختلف المستويات. يدرك أوباما كل بروتوكولات الحوار والخطاب والثقافة، لكنه لا يتصرّف كمن يعرف أميركا الفعلية، بل كمن يحاضر في صفٍّ للفلسفة. عدم فهم الشارع هو العنصر الذي ساهم في فوز ترامب في انتخابات 2016، وأدى إلى ترسيخ "الترامبية" نهجا سياسيا مرشحا للاستمرار فترة طويلة.
الفارق بين ترامب وبايدن (أوباما) أن الأول جعل من أميركا أولوية مطلقة بصورة متطرّفة، انعكس معها الأمر بصورة سلبية على الداخل الأميركي، وزاد من انقسامه. أما الثاني فلا يضع أميركا في قائمة اهتماماته، بل العمل على المصالحة مع العالم و"دعم الديمقراطيات في العالم". وهو ما سيُنتج انعدام توازن ملحوظ في الداخل الأميركي.
في الظاهر، تبدو الولايات المتحدة أمام مأزق سياسي ومستقبل مجهول، لكن الواقع عكس ذلك، فقد بات للولايات المتحدة "امتياز التنافس" بين خيارين داخليين، مع وجود مناصرين خارجيين للخيارين، حوّل الرئاسيات الأميركية إلى نوعٍ من رئاسة جمهورية الكرة الأرضية. وهذا التنافس بين التيارين يسمح للدولة العميقة في واشنطن التحرّك ضمن هامشٍ أوسع بكثير مما كانت عليه سابقاً، لغياب "الأعداء" القادرين على إزاحة الولايات المتحدة من منصبها قوةً عظمى.