أيقونة يعقوب الحارثي
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
شكّل انتخاب المحامي العماني، يعقوب الحارثي، نائباً لرئيس مجلس الشّورى العماني، حدثا خلّف ردود فعل محلية مُرحّبة، ذكّرتني بالتي أعقبت فوز شقيقته الرّوائية، جوخة الحارثي، بجائزة مان بوكر العالمية عن رواية لها. فقد ملأت التبريكات، في هذه المناسبة وتلك، صفحات التواصل الاجتماعي. ومع أن اختيار الحارثي جاء بتصويت أغلبية أعضاء المجلس، فقد بدا شبيها بتحوّل جوهري مدني في السياسة العُمانية الحديثة. أو لنقل إنه ينسجم مع التوجّه العامّ بإعطاء الصّوت المدني حريته في التعبير، وإبداء مختلف الآراء والمواقف. ولن يُنسى أن السلطان هيثم بن طارق سبق أن أمر بالإفراج عن نشطاء رأي، اتخذوا من لندن ملجأ لهم.
بعث ترشّح يعقوب الحارثي لهذا المنصب في الذاكرة سيرتَه المهنية التي طبعها نوع من الـ"مغامرة" في دفاعه، بجُبّة المحامي، عن قضايا تتصف بالشّائكة والأكثر قرباً من "المشاكل" وبُعدا عن "الربح"، ففي وقتٍ يستطيع مُزاول هذه المهنة، وبشيءٍ من المراس، جلب ثروة مالية، اختار يعقوب طريقا آخر صعبا، مُضحّيا كذلك بالاستفادة من "ثقل" انتماءاته العائلية المعروفة بتاريخها ووزنها المجتمعي، في وقتٍ كان الدفاع عن نشطاء الرأي يعتبر "مغامرة" غير مضمونة العواقب.
وكان يعقوب يفعل ذلك كله بمهنيةٍ صافيةٍ. والأهمّ من ذلك كلّه أنه يعمل بدون مقابل لأتعابه، وأعزل إلا ممّا تيسّرَ من سلاح المبادئ والقيم. احتمى به وباقتناعه، حدّ الإيمان، بنبل المهمة، ليفعل ما يحب وما هو مقتنع به وبدون تشنّج أو رفع شعاراتٍ أو لافتاتٍ حقوقية. إنه فقط كان يمارس مهنته بهدوء، وبما يقتضي القانون الذي درسه نظريا ثم زاوله ميدانيا. قد يبدو فوزه هذا مفاجئا لبعضهم، لكنّ ما لم يكن ظاهرا أن المجتمع (في أعماقه) كان يتابع بصمت نضالات هذا المغامر الجميل، ليدعم ترشّحه بالأصوات، ليكون عضوا في مجلس الشورى. ثم حين دعمه بالأصوات، كذلك، ليكون نائبا لرئيس هذا المجلس، ذي الصبغة البرلمانية.
بعد أحداث "الربيع العربي" الذي كانت ارتداداته قد حرّكت الساحات العُمانية، وتسبّبت في إزاحة وزراء ومسؤولين، تلبيةً لنداءات ساحات المظاهرات، برز يعقوب الحارثي مدافعا عمن اتّهِموا بالتحريض والدعوة إلى التجمهر. كنا نراه بحلّة المحاكمات وخطواته المتحفزة، وهو يتنقل بين أروقة المحاكم، صامتا حد الخجل، لا يتحدّث إلا في الوقت المناسب وبكلمات قانونية، نيابة عن موكّليه الذين تطوّع للدفاع عنهم. لذلك الحديث عن يعقوب الحارثي هو حديث عن ضمير حيّ نادر، في وقت يتجاذب طموحاتِ الأفراد حب المال والجاه. يعقوب الذي كانت تتوفر له كل شروط هذا الجاه والمنصب، لو أراد وبأسهل الطرق، ولكنه اختار طريقا آخر، هو "طريق الحق الذي يندر سالكوه"، حسب مقولة مأثورة.
حين تقرأ شهاداتٍ سبق لأصدقاء يعقوب الحارثي أن نشروها عنه في كتاب "الأجنحة تنبت من الطيران" (دار سؤال، بيروت، 2014)، تكتشف مدى الحب الذي يُكنّه له الكتّاب وزملاء مهنته؛ المحاماة. كما يتضح من حديث يعقوب، المقتضب في الحوار القصير الذي أجري معه في مستهل كتاب الشهادات هذا، أنه لا يريد أن يمدحه أحد، فهو يفعل ذلك كله، كما يبدو بوضوح، بناءً على قناعةٍ خاصةٍ، ولا ينتظر مقابلا مباشرا عنها. ومن خلال عناوين مقالات المشاركين في الكتاب، يتضح مدى الحماسة التي كتبت بها الشهادات، حيث عناوين من قبيل الأيقونة، والسميدع (الكريم السخيّ، والشجاع في اللهجة العمانية)، وعنوان آخر، هو الإنسان المؤمن بالعدالة، وهي شهادة المحامي قيس القاسمي، والمدافع عن حق التعبير بقلم محمد بن طاهر، ومقال بعنوان "كم سريعة هي الحياة" لسليمان المعمري، وأبيات شعرية لسماء عيسى تحت عنوان "دم يعقوب"، ومقال عبد الله حبيب "يعقوب الحارثي أو ضمير على الوطن"، وغيرها من شهاداتٍ توزّعت بين صفحات الكتاب.
.. يعقوب الحارثي حاصل على ماجستير في القانون من جامعة آل البيت في الأردن في 2010. وقد أسّس في نادي الطلبة العُمانيين في الأردن في 2009 "دورة الإعلام والقانون"، ودرّس فيها.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية