أي أسباب للتعديل الوزاري في الجزائر؟
أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، 16 مارس/ آذار الجاري، رابع تعديل في حكومة أيمن بن عبد الرحمن منذ اعتمادها في 7 يوليو/ تموز 2021. لعل ما يميزه طابعه الموسّع، فقد شمل 11 حقيبة وزارية من مجموع 30 وزارة، خلافا للتعديلات الوزارية السابقة التي كانت محدودة، غير أنه يبقى جزئيا، فلم يتسبب في استقالة الحكومة، وهو يجمع، كالعادة، بين إعفاء وزراء وتكليف وزراء جدد وتغيير في مناصب وفي مسمّيات الوزارات نفسها.
ويسجّل إعفاء وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي اختفى منذ أسابيع من المشهد السياسي الرسمي في الجزائر، واستبداله بأحمد عطاف، وإعفاء وزير التجارة كمال زريق واستبداله بالطيب زيتوني. وشمل التعديل وزارة النقل، حيث أُنهيت مهام كمال بلجود، وعُيّن مكانه يوسف شرفة الذي كان يتقلّد منصب وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي. كما كُلّف رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية عبد الرحمن حمّاد، بحقيبة الشباب والرياضة، خلفًا لعبد الرزاق سبقاق.
وعيّنت مريم بن ميلود وزيرة للرقمنة والإحصائيات، خلفاً لحسين شرحبيل، الذي استُدعي لمهام أخرى. وتم تعيين مختار ديدوش وزيراً للسياحة خلفاً لياسين حمادي. وتولّى فيصل بن طالب وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، خلفاً ليوسف شرفة الذي أصبح وزيرا النقل. وعيّنت فايزة دحلب وزيرة للبيئة والطاقات المتجددة خلفاً لسامية موالفي. وكُلّف أحمد بدني بشؤون وزارة الصيد البحري والمنتجات الصيدية، خلفاً لهشام سفيان صلواتشي. وأنهى رئيس الجمهورية مهام وزير الصناعة أحمد زغدار، وعوّض بعلي عون، الذي كان وزير الصناعة الصيدلانية، مع استحداث تغيير على تسمية الوزارة التي تحوّلت إلى وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني. وشمل التعديل فصل وزارة الأشغال العمومية والريّ والمنشآت القاعدية إلى وزارتين، حيث احتفظ لخضر رخروج بوزارة الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية، فيما عُيّن طه دربال وزيراً للري.
ما يميّز التعديلات الوزارية في الجزائر أنها تقنية، وليست سياسية، كما هو حال التعديل المعلن أخيرا
ما دلالات هذا التعديل الوزاري الموسّع في الجزائر؟ عموما، لا يمكن اعتباره تغييرا حقيقيا في توجهات الدولة وسياساتها، بل تغيير أفراد، ولعلها تؤكّد هذا مضامين خطابات تسليم الوزراء الجدد مهامهم حيث يجمعون كلهم على الاستمرارية في عمل من سبقهم. وبغض النظر عن عدد الوزارات التي جرى التعديل فيها، فإن هذا التعديل لا يختلف عن التعديلات الثلاثة السابقة في حكومة أيمن بن عبد الرحمن من حيث التوقيت، فعلى سبيل المثال، جاء الأول بعد أربعة أشهر من تنصيب الحكومة، وجاء الثاني بعد ثلاثة أشهر من الأول، وجاء الثالث بعد سبعة أشهر من الثاني، في حين جاء الرابع بعد ستة أشهر من الثالث. لهذا يندرج التعديل الوزاري الأخير ضمن مسارات التعديلات الوزارية منذ العام 2021، فهل يمكن اعتبار التعديلات الوزارية تقييماً مستمراً لأداء الجهاز التنفيذي؟ يمكن، لكن حجم التغييرات الوزارية يشهد على الرضى أو عدم الرضى بمردودية الجهاز التنفيذي وفاعلتيه، لهذا يمكن اعتبار تغيير حوالي ثلث الجهاز التنفيذي مؤشّرا على وجود تحدّيات مختلفة في قطاعاتٍ عديدة، يجب تصحيح مساراتها ولو شكليا من خلال تغيير الوزير. لينجم عن هذا التغيير في حالات عديدة تراجع مدة ترؤس الوزارات، عكس ما كان معمولا به من قبل، حيث كانت تطول مدة توزيرهم.
وإذا سلمنا بوجود علاقة سببية بين التعديل الوزاري، سواء من خلال إعفاء وزير أو استبداله أو إبقائه، بمدى تحقيق الأهداف الاستراتجية أو المرجوّة لكل وزارة، فهذا يشترط وجود استراتجيات قطاعية لها غايات وأهداف محورية محدّدة؟ فهل هذا متوفّر في كل القطاعات؟ خلفيات التعديل الوزاري أعمق وأوسع وأعقد، لتجمع بين أسباب ومسبّبات ودوافع مختلفة موضوعية، بل وذاتية. ولعل ما يميّز التعديلات الوزارية في الجزائر عموما أنها تقنية، وليست سياسية، كما هو حال التعديل المعلن أخيرا، لكن التعديل قد يخفي كذلك تحدّيات داخل الجهاز التنفيذي من شأنها أن تعيق السير الحسن لبعض القطاعات الحيوية للبلاد، كالسياسة الخارجية للجزائر. لهذا يمكن اعتبار إنهاء مهام (من دون ذكر ذلك) وزير الخارجية رمضان لعمامرة ردة فعل عن غياب الجزائر في اجتماعات إقليمية عديدة، وهو ما يتعارض مع أهداف سياسة الرئيس عبد المجيد تبّون، والتي تقوم على الارتقاء المتواصل بدور السياسة الخارجية للجزائر، من خلال تأكيد أدوارها في القضايا الإقليمية والدولية. وهنا لا يمكن التقليل من دور الخلافات المعلنة وغير المعلنة في مثل هذه الحالات.
وظيفة أي وزير سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي، يجب تحرير الوظيفة من الجانب الفني، من أجل تحرير عمل مؤسسات الدولة
ويمكن تبرير التعديلات الوزارية كذلك بعدم رضى الرئيس عن فعالية بعض القطاعات الحيوية، خصوصا التي لها تأثير على الحياة اليومية للجزائريين، سيما قدرتهم الشرائية، كما هو شأن إعفاء وزير التجارة وتطوير الصادرات، كمال رزيق، الذي تسبب وجوده على رأس وزارة التجارة في استفزاز الجزائريين، بمن فيهم النواب، بدلا من العمل على إيجاد حلول مستدامة تساهم في الارتقاء بالقدرة الشرائية للجزائريين، والحد من ارتفاع أسعار سلع عديدة ذات استهلاك واسع في الجزائر. لينتج من طبيعة إدارة رزيق، وخصوصا ما يتصل بأسعار السلع ووفرتها وندرتها، ما يرتبط بتوسّع عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم، وإضرار إضافي بعمل الجهاز التنفيذي عموما. ويمكن إدراج إنهاء مهام وزير النقل، كمال بلجود، مؤشّرا على استمرار تحدّيات عديدة في هذا القطاع الحيوي، وخصوصا إدارة شركة الخطوط الجوية الجزائرية وشركة الملاحة، سيما في مهامها المتعلقة بتيسير حركية تنقل الجزائريين وعودتهم إلى بلدهم.
للتعديلات الوزارية في الجزائر ما يبرّرها، خصوصا في القطاعات التي ما زالت تعرف تحدّيات مختلفة، ولكن لا يمكن حصرها دوما في الجانب الإداري أو التقني أو الفني، من دون أن تحمل تلك التغييرات بصمات الوزراء الجدد، لأن وظيفة أي وزير سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي، يجب تحرير الوظيفة من الجانب الفني، من أجل تحرير عمل مؤسسات الدولة. وما لم تجر مراجعة مهام وظيفة الوزير، فإن التعديلات الوزارية لن يترتب عنها أي تغيرات ملموسة، لتبقى التعديلات الوزارية مجرّد تغيير أسماء. هذا ولا يمكن التقليل من دور العوامل الذاتية الخاصة بالمسيرة المهنية والتعليمية والسياسية والمجتمعية والكاريزما للوزير، في إعطاء دفع جديد للعمل الوزاري ولفعالية الجهاز التنفيذي.