19 سبتمبر 2022
إعادة بناء الموصل مطلباً ملحّاً
الموصل، أم الربيعين، من أمهّات مدن الشرق، وثاني أكبر مدينة عراقية. استمرت حياتها الحضرية متواصلة عبر آلاف السنين. وعلى الرغم من كلّ ما صادفها من تحدّيات وكوارث، بقيت حيّةً ومنتجةً ومبدعةً ومنفتحةً بكرنفالاتها ومهرجاناتها، لكن ما صادفته من محن خلال العقدين الأخيرين فاقَ المتصوّر والمتخّيل، إذ دمّرت تدميراّ كاملاّ، وعانى أهلها كثيراً، وهم أكثر من أربعة ملايين إنسان... ومنذ فتك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بها، وحتى تحريرها منه في 2017، وهي لم تزل مدمّرةً، تحتاج إلى إعادة بناء، ومشروع إعمار، وخطّة تأهيل للمدينة والمجتمع معاً.
من له القدرة على أن يعمّر بيته أو عقاره يفعل ذلك. ومن ليست لديه القدرة فكيفَ يمكنه إعادة الحياة إلى نفسه ومدينته؟ للعلم، تزداد، يوماً بعد آخر، مطالبة أهل الموصل من حكومتهم المركزية في بغداد، كي تعيد مدينتهم إلى الحياة الطبيعية، واستعادة قوّتها الاقتصادية والاجتماعية. ومن المضحك المبكي أن ما رصدته الحكومة المركزية من أموال ضمن ميزانيتها الأخيرة أقلّ بكثير مما يتصورّه المرء، فهل من الإنصاف أن يتم تعامل الحكومة العراقية مع مدينةٍ بحجم الموصل، وثقلها التاريخي والحضاري، بهذه الطريقة؟
بعد أكثر من عام على تحريرها، والقضاء على تنظيم داعش، وكلّنا يعلم كيف سقطت المدينة بأيديه، وقد حكمها بالحديدِ والدمّ والنار، وكم صمدت بوجه الأشرار، ودفعت آلافا من أبنائها
قرابين وضحايا ونازحين ومشرّدين ومستلبين ومختطفات ومفقودين.. إلخ. وعندما حرّرتها القوّات العراقية المسلحة، ومن تجحفل معها، فضلا عن طائرات قوى التحالف، سحقت الموصل القديمة سحقاً لا مبررَ له، وتشرّد آلافٌ من الناس، واختفى آلافٌ في سراديبهم وبيوتهم، وماتوا تحت الأنقاض، إذ أرسلت الحمم من النار عليهم. وكان قد وقرَ ناسٌ كثيرون في بيوتهم، آخذين بنصيحة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السابق ليموتوا أبشع ميتة. وإذا كانت المدينة القديمة قد سحقت سحقاً مبرحاً، فإن ما حصلَ بعد التحرير لم يبشّر بخير أبداً، على الرغم من نداءاتنا المتكرّرة بوجوب تأسيس صندوق خاص لإعادة إعمار الموصل... إذ لم تلتفت الحكومة العراقية إلى الموصل، لتعيد بناءها، وتصلح جسورها الخمسة على نهر دجلة.
لم تزل الناس تعاني الأمرّين من التشّرد والجوع، بعد أن فقدت بيوتها، واستلبت حاجياتها، وسحقت أسواقها، وسرقت موجوداتها في وضح النهار. الموصل في الجانب الأيمن، وعلى الرغم من جهود الأهلين ومساهمات الخيّرين في رفع بعض الأنقاض، وهدم ما لا يمكن تصليحه، أو تصليح بعض ما تهدّم، ولكن الحياة لا يمكنها أن تعود إلّا إذا وضعت الحكومة المركزية مشروعاً استراتيجياً لإعمار المدينة بشكل كامل، وإعادة بناء المستشفيات والمدارس والمؤسسات والأجهزة، فما يستعمل اليوم من مستشفياتٍ يتمثل بمجموعة كرافانات تمتلئ بالمرضى والمراجعين البائسين، وهم في حالاتٍ مزريةٍ، يرثى لها، وأسأل: لماذا تمّ تدمير كلّ جسور المدينة؟ ولماذا لم يتم تصليحها، وهي عصب الحياة فيها؟ ومن الذي يقوم بتصليحها، يا حكومة العراق؟ هل تريدين من الأهالي القيام بتصليحها؟ إلى جانب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالطرقات والشوارع والسكك الحديدية، وكلّ المرافق البلدية والخدمية، فهي ليست من مسؤولية المواطنين، يا حكومة العراق. مع قناعتنا بعوامل تدمير المدينة لعوامل ثأرية، وأسباب كيدية، وسحقها بهذا الشكل المأساوي، وإبقائها مسحوقةً على ما هي عليه.
هل ستبقى المدينة مدمّرة ومنسحقة؟ وإلى متى؟ ومن يقف وراء إيقاف إعادة إعمارها؟ هل من أجوبة وافية من الحكومة في بغداد؟ وتساءل أحد المتضرّرين: إذا بقيت الحكومة تتجاهل الموقف، وبقيت تهمل كلّ الصيحات والنداءات، فلماذا يسموننا عراقيين؟ ألم يكتف أولئك وهؤلاء بتدميرنا حتى يحرمونا من الإعمار؟ واليوم، يجري في الموصل استعداء قوى شريرة مهيمنة على الوضع مع توزيع المنافع، وهي تعبث بحياة المدينة، وتستلب حتى الخرائب والأطلال، إذ تبيع المخلّفات بملايين الدولارات... وتخيم اليوم على المدينة عدة مراكز قوى فاسدة، تطاول كل شيء، وينبغي إيقافها بعد كلّ النزيف.
ارتكبت سلسلة من الجنايات وترتكب بحق الموصل منذ سنوات، وتحت مرأى الحكومة المركزية ومسمعها، من دون إجراء أية تحقيقات، وكأن ما يحدث مخطّط له عن قصد مبيّت، ولم تزل الاستلابات مفضوحةً من أجل تغيير البنية الاجتماعية والديمغرافية، خصوصاً أن بغداد تتجاهل كلّ النداءات الصادرة من كلّ أهالي الموصل الذين يعانون كثيراً، ولا سبيل لخلاصهم من المشكلات التي يعيشونها... ناهيكم عن إبقاء الحال على حاله، والحؤول دون عودة الناس إلى بيوتها، مسلمين كانوا أو مسيحيين.
خصص لمدينة درسدن الألمانية التي دمّرتها الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً الحريق الذي
أجهزعليها ليلة 13 فبراير/ شباط 1945، مشروع إعادة إعمار ضخم مصمّم، لتخرج إلى الحياة مدينة رائعة في فترة قياسية. وأعيد بناء مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، بعد ضربهما بقنابل ذرية نهاية الحرب الثانية. وبعد 1945، أعيد إعمارهما بسرعةٍ، بمساعدة من الحكومة الوطنية من خلال قانون بناء مدينة هيروشيما للسلام التذكاري الذي تم إقراره. وقدمت المساعدة المالية لإعادة الإعمار، إلى جانب الأراضي التي تمّ التبّرع بها، وكانت مملوكة من الحكومة الوطنية، وتستخدم لأغراض عسكرية لتقوم فيها متنزهات غنّاء.
عندما يعبر المرء نهر دجلة أولاً باتجاه المركز التاريخي للموصل القديمة، عبر الجسر القديم، وهوالوحيد الذي أتم البريطانيون إصلاحه في العام المنصرم، يبدو وكأنه يسير على أرض من العصر الحجري، حيث الحطام في كلّ مكان: الجوامع المخربّة، والقلاع المتدلية، والقناطر والكنائس المهدّمة، والازقة المحطمة، والشوارع الترابية التي كانت قبل خمسين سنة تزهو بأسواقها وساحاتها ومقاهيها وسينماتها ومدارسها ومتنزهاتها وتظاهرات مناضليها الوطنيين. كم الحاجة ضرورية اليوم أن يعلن كل العراقيين الموصل "مدينة سلام"، كما أعلن البرلمان الياباني هيروشيما 1949.
وعليه، هل من مبادرة من حكام العراق ليهتموا بمدن العراق، وتحظى الموصل بمزيد من الاهتمام الوطني والدولي، باعتبارها موقعا مهما جدا لعقد مؤتمرات دولية عن التمّدن والتحضّر والقضايا الاجتماعية، وأن تستعيد خصوصياتها الاقتصادية وأدوارها الثقافية والحضارية، خصوصاً وأنها تنفض اليوم من خلال الجيل الجديد كلّ مآسي الماضي...
من له القدرة على أن يعمّر بيته أو عقاره يفعل ذلك. ومن ليست لديه القدرة فكيفَ يمكنه إعادة الحياة إلى نفسه ومدينته؟ للعلم، تزداد، يوماً بعد آخر، مطالبة أهل الموصل من حكومتهم المركزية في بغداد، كي تعيد مدينتهم إلى الحياة الطبيعية، واستعادة قوّتها الاقتصادية والاجتماعية. ومن المضحك المبكي أن ما رصدته الحكومة المركزية من أموال ضمن ميزانيتها الأخيرة أقلّ بكثير مما يتصورّه المرء، فهل من الإنصاف أن يتم تعامل الحكومة العراقية مع مدينةٍ بحجم الموصل، وثقلها التاريخي والحضاري، بهذه الطريقة؟
بعد أكثر من عام على تحريرها، والقضاء على تنظيم داعش، وكلّنا يعلم كيف سقطت المدينة بأيديه، وقد حكمها بالحديدِ والدمّ والنار، وكم صمدت بوجه الأشرار، ودفعت آلافا من أبنائها
لم تزل الناس تعاني الأمرّين من التشّرد والجوع، بعد أن فقدت بيوتها، واستلبت حاجياتها، وسحقت أسواقها، وسرقت موجوداتها في وضح النهار. الموصل في الجانب الأيمن، وعلى الرغم من جهود الأهلين ومساهمات الخيّرين في رفع بعض الأنقاض، وهدم ما لا يمكن تصليحه، أو تصليح بعض ما تهدّم، ولكن الحياة لا يمكنها أن تعود إلّا إذا وضعت الحكومة المركزية مشروعاً استراتيجياً لإعمار المدينة بشكل كامل، وإعادة بناء المستشفيات والمدارس والمؤسسات والأجهزة، فما يستعمل اليوم من مستشفياتٍ يتمثل بمجموعة كرافانات تمتلئ بالمرضى والمراجعين البائسين، وهم في حالاتٍ مزريةٍ، يرثى لها، وأسأل: لماذا تمّ تدمير كلّ جسور المدينة؟ ولماذا لم يتم تصليحها، وهي عصب الحياة فيها؟ ومن الذي يقوم بتصليحها، يا حكومة العراق؟ هل تريدين من الأهالي القيام بتصليحها؟ إلى جانب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالطرقات والشوارع والسكك الحديدية، وكلّ المرافق البلدية والخدمية، فهي ليست من مسؤولية المواطنين، يا حكومة العراق. مع قناعتنا بعوامل تدمير المدينة لعوامل ثأرية، وأسباب كيدية، وسحقها بهذا الشكل المأساوي، وإبقائها مسحوقةً على ما هي عليه.
هل ستبقى المدينة مدمّرة ومنسحقة؟ وإلى متى؟ ومن يقف وراء إيقاف إعادة إعمارها؟ هل من أجوبة وافية من الحكومة في بغداد؟ وتساءل أحد المتضرّرين: إذا بقيت الحكومة تتجاهل الموقف، وبقيت تهمل كلّ الصيحات والنداءات، فلماذا يسموننا عراقيين؟ ألم يكتف أولئك وهؤلاء بتدميرنا حتى يحرمونا من الإعمار؟ واليوم، يجري في الموصل استعداء قوى شريرة مهيمنة على الوضع مع توزيع المنافع، وهي تعبث بحياة المدينة، وتستلب حتى الخرائب والأطلال، إذ تبيع المخلّفات بملايين الدولارات... وتخيم اليوم على المدينة عدة مراكز قوى فاسدة، تطاول كل شيء، وينبغي إيقافها بعد كلّ النزيف.
ارتكبت سلسلة من الجنايات وترتكب بحق الموصل منذ سنوات، وتحت مرأى الحكومة المركزية ومسمعها، من دون إجراء أية تحقيقات، وكأن ما يحدث مخطّط له عن قصد مبيّت، ولم تزل الاستلابات مفضوحةً من أجل تغيير البنية الاجتماعية والديمغرافية، خصوصاً أن بغداد تتجاهل كلّ النداءات الصادرة من كلّ أهالي الموصل الذين يعانون كثيراً، ولا سبيل لخلاصهم من المشكلات التي يعيشونها... ناهيكم عن إبقاء الحال على حاله، والحؤول دون عودة الناس إلى بيوتها، مسلمين كانوا أو مسيحيين.
خصص لمدينة درسدن الألمانية التي دمّرتها الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً الحريق الذي
عندما يعبر المرء نهر دجلة أولاً باتجاه المركز التاريخي للموصل القديمة، عبر الجسر القديم، وهوالوحيد الذي أتم البريطانيون إصلاحه في العام المنصرم، يبدو وكأنه يسير على أرض من العصر الحجري، حيث الحطام في كلّ مكان: الجوامع المخربّة، والقلاع المتدلية، والقناطر والكنائس المهدّمة، والازقة المحطمة، والشوارع الترابية التي كانت قبل خمسين سنة تزهو بأسواقها وساحاتها ومقاهيها وسينماتها ومدارسها ومتنزهاتها وتظاهرات مناضليها الوطنيين. كم الحاجة ضرورية اليوم أن يعلن كل العراقيين الموصل "مدينة سلام"، كما أعلن البرلمان الياباني هيروشيما 1949.
وعليه، هل من مبادرة من حكام العراق ليهتموا بمدن العراق، وتحظى الموصل بمزيد من الاهتمام الوطني والدولي، باعتبارها موقعا مهما جدا لعقد مؤتمرات دولية عن التمّدن والتحضّر والقضايا الاجتماعية، وأن تستعيد خصوصياتها الاقتصادية وأدوارها الثقافية والحضارية، خصوصاً وأنها تنفض اليوم من خلال الجيل الجديد كلّ مآسي الماضي...