إعلام خالد يوسف
أمّا أن يعود المخرج المصري، خالد يوسف، من مُقامه في الخارج إلى بلده في أي وقت، فذلك حقّ له. أمّا تبرئته التامّة مما سميت في الإعلام قضية الاستغلال الجنسي لشابّتين، ذاع أنه صوّر ممارسته أوضاعا حميمية معهما، وعلى إثر القضية غادر، وهو العضو المحصّن في مجلس النواب، إلى باريس، قبل أزيد من عامين، فلم تحدُث، أو لم تتم بعد، ولم تجر مساءلت بالإجراء المأخوذ به في مساطر التحقيق وإعمال القانون، فيما تمّ حبس (أو توقيف) الشابتين، والتحقيق معهما. ولم تُطو القضية، أو لم تقفل تماما، على ما توحي الأخبار المتناثرة، والتي صارت شحيحةً بشأنهما، والاتهام الذي جرى لهما أنهما ارتكبتا فعلا فاضحا مع خالد يوسف (1964). القضية فالتةٌ إذن. لا براءة ولا ثبوت اتهام، فيما طالت الشابّتين، وقد أبلغت إحداهما الصحافة، كاذبةً أو صادقةً، إنها تزوّجت من المخرج المعروف، السمعة السيئة، إلى حدّ أن واحدةً فكّرت بالانتحار جرّاء ذلك. وليس سرّا أن تسريب جهاز أمني مشاهد تخصّهما مع خالد يوسف في فيديو (مصوّر في 2015) كان للتشنيع على النائب المذكور، المخرج الذي ارتكب اعتراضا على تعديل الدستور (وكان من لجنة صياغته) المعلن في العام 2014، من أجل إجازة تمديد ولايات رئاسة عبد الفتاح السيسي. ومعلومٌ أن مغادرته إلى الخارج كانت بطلبٍ (أو نصحٍ) من جهاز أمني، تماما كما أن "تنظيف" ملفه، وعودته، قبل أيام، سالما من أي مساءلةٍ قانونيةٍ بصدد مسألة ما وُصف "استغلالا جنسيا" اقترفه مع الشابّتين، كانا بترتيبٍ من السلطات الأمنية.
عندما يتحدّث السيسي، السبت الماضي في إطلاق ما سمّيت "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، عن التزامٍ بصون الحقوق والحرّيات وتعزيز احترامهما، فإن الاحتفالية الواسعة، الإعلامية والاجتماعية، بخالد يوسف، لدى عودته من باريس، تنطوي على اعتداءٍ ظاهرٍ على واحدة من هذه الحقوق، المشار إلى صوْنها وتعزيز احترامها، فقد مُنحت لصاحب فيلم "خيانة مشروعة" مساحاتٌ في قنواتٍ وصحافاتٍ مصرية ليقول ما يشاء في المسألة، الوسخة، والتي جعلته يغادر مصر، وليبرّئ نفسه، ويؤشّر إلى عقوبةٍ جرت له بسبب مواقفه. ولا حاجة إلى التذكير بالإخلال المريع الذي يحدُث هنا بشرط التوازن الإعلامي، بل بمهمة الإعلام ذاته، فالألف باء تُخبرنا بأن ثمّة ضحيتين اتّسخت سمعتهما، وربما لا زالتا قيد النظر القضائي، من طبيعي الأمور وبديهياتها أن لا ينفرد خالد يوسف برواية ما يرويه من دون أن تقولا ما عندهما، إذا أراد الإعلام أن يُحسن صنعته.
ولكن، من قال إن القصّة في مبتدئها ومسارها (ومنتهاها؟) هي على هذا النحو، إعلامية فحسب .. لا، القصة أن ما أريد أن يعاقَب به خالد يوسف قد أخذ وقته، وأن المذكور أيقن أن اللعب مع الكبار ليست حرفته، وأنه كان عليه أن يعرف سقوفه، وحدوده، فأن توفّر له القوات المسلحة المصرية مروحيةً لتصوير "ملحمة 30 يونيو" (تسميته) فهذا لا يعني أن يسمح لنفسه الاعتراض على تمديد رئاسة السيسي إلى ما شاء الله، سيما وأنه تم تمرير اعتراضه على منح جزيرتي تيران وصنافير إلى العربية السعودية. ربما تم طي ذلك المقطع من صفحات خالد يوسف، بعد "إطلاق" مشاهد من الفيديو الخادش لكل حياء، وبعد إجازة القيل والقال في شأنه، بل وإشاعة الحكايات والقصص، فيها الصحيح وغير الصحيح ربما، عن مواقعاتِه مع فلانة وعلانة. وبعد النفير العريض، من يساريين وناصريين عديدين، بينهم المرشّح الرئاسي إيّاه، حمدين صباحي، في استقبال تلميذ يوسف شاهين، والاحتفال بصفحته البيضاء من غير سوء، ثمّة حاجة إليه في غير مشروع سينمائي وإعلامي. وقد بدأ يذيع أخبارا عما يعده عن "30 يونيو" وغيرها من أفلام.
لم نقع على غضب نسويين ونسويات، طالما لوحظ نشاطهم في مناسبات مشهودة، وهم يشيعون كلاما وفيرا عن التنوير وحقوق المرأة. لم يُغضب أيا منهن ومنهم أن شابّتين امتُهنت سمعتهما، في مقابل احتفاليةٍ إعلاميةٍ بمن هو متورّطٌ في حالهما هذا، أو أقلّه لم يبرّئه القضاء في حكم معلن من الشبهة هذه. بل ثمة من أدرج فِعلته، إن فَعلها، في باب الحرية الشخصية (!). وكان طيّبا من مغرّدين ومعلقين في "تويتر" وحيطان "فيسبوك" أنهم جاءوا على هذه الممارسة الإعلامية البائسة، غير الأخلاقية حكما، وانتقدوا الصحافي خالد داود، المفرَج عنه قبل أسابيع من اعتقال ظالم، لمشاركته في زيارة خالد يوسف، فيضطرّ الرجل لإيضاح أنه إنما أراد إخطار صاحب "حين ميسرة" بأسماء معتقلين احتياطيا في السجون، عساه يساعد، بحكم صلاته مع الأمن، في الإفراج عنهم .. طريفٌ هذا الكلام، وكافٍ ربما لمعرفة خيوط "خرّافية" خالد يوسف .. الطويلة.