01 نوفمبر 2024
إلى جبران باسيل: إلا "أونروا"
ليس كافيا تعريف جبران باسيل (47 عاما) وزيرا لخارجية لبنان (والمغتربين)، ورئيسا للتيار الوطني الحر في بلده، وصهرا للرئيس ميشال عون. الأدعى أن يُضاف إلى أوضاعه هذه أنه أيضا "حالةٌ" في لبنان، فقد صارت كثيرةً الآراءُ والاجتهاداتُ والنمائمُ التي يُدلي بها، معلَنةً أو غير معلنةٍ أو بين بين، ولا تستقيم مع مواقعه الثلاثة تلك. وهو لا ينفكّ يؤكد أمره "حالةً"، فصار يستثير انتباها شعبيا إلى شخصه، إذا ما حضر في هذه المناسبة أو تلك، فيكاد يصبح "ظاهرةً" من نوعٍ مسلٍّ في التفاصيل اللبنانية. تأخّره عن رفقة وزير الخارجية الأميركي (المقال)، ريكس تيلرسون، في ضيافة الرئيس عون، قبل مدة، واحدٌ من شواهد على ما يُقال هنا، وكذا نميمته المذاعة تسريبا (مقصودا؟) عن "بلطجة" رئيس مجلس النواب، نبيه بري، من دون اعتذارٍ لاحقا عن فعلته هذه. أما قولُه لقناة الميادين، أخيرا، إن من حق إسرائيل العيش في سلامٍ وأمان، إن التزمت بحقوق الشعب الفلسطيني، ففي ذلك أخذ نفسَه إلى نتوءٍ جديد اللغة، في السياقات اللبنانية العامة الراهنة. وإذا يُقال إن قلة خبرة الرجل في الدبلوماسية وراء "حالته" المُشار إليها، فليس هذا مهما، ذلك أنه صار يبدر منه ما هو بالغ الشذوذ، والخشيةُ أن تُحسب "اجتهاداته" النافرة على لبنان الرسمي، فيضطر ممثلون عن هذا اللبنان إلى الانشغال بلملمة هذه القصة وتلك الواقعة مثلا.
من جديد الشواهد على "حالة" جبران باسيل، أنه اقترف، قيل أيام، في مؤتمرٍ ذي حساسيةٍ وأهميةٍ عاليتين، قولا يعوزُه كثيرٌ من التحسّب والحذر والتحوط، بل يستدعي من الحكومة اللبنانية رفضه، ونسبته إلى شخص وزير الخارجية، لا إلى صفته هذه. والحديث هنا هو عن دعوة باسيل، في اجتماع وزاري استثنائي في روما، عن "تشارك المسؤولية وحشد العمل الجماعي من أجل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)"، إلى أن تشطب هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة من قيودها كل لاجئ فلسطيني، في حال تغيّبه عن الأراضي اللبنانية، أو في حالة حصوله على جنسية بلد آخر"، وذلك لتخفّف "أونروا" من أعبائها المالية، كما قال. ومبعث العجب هنا ليس فقط أن صاحب هذا الكلام لا يدري أن لكل مقامٍ مقالا، وأنه كان عليه أن ينشط في الاجتماع بتأكيد مسؤوليةٍ للولايات المتحدة، بوصفها أكبر داعم لإسرائيل، عن استمرار حالة اللجوء الفلسطيني، ما يفرض عليها الإيفاء بالمخصّصات المقرّرة عليها تجاه الوكالة الأممية، بدل أن تعمد، أخيرا، إلى خفض ما تدفعه. كان على الوزير اللبناني أن يقول هذا وغيره، وكل شيء، إلا أن يأتي على شطب لاجئين فلسطينيين من قيود "أونروا" وسجّلاتها، إذ عليه أن يعرف أن هذه القيود وحدها التي تحفظ لهؤلاء صفتهم هذه، وأنها الوثائق الأهم في أي تداولٍ أو تفاوضٍ أو سجالٍ في أي مناسبةٍ مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بشأن حق كل لاجئ فلسطيني في أي مطرح في الأرض بالعودة إلى وطنه، وتعويضه عن ممتلكاته ومتعلقاته التي نهبها المحتلون. وبشأن من تحدّث عنهم وزير المغتربين (والخارجية) اللبناني، أي اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يغتربون في الخارج طويلا، فمن الغريب جدا أنهم يشغلوه إلى هذا الحد، فهم لا يحمّلون الدولة اللبنانية أية أعباء، بل في الوسع أن تُحسب تحويلاتهم من الخارج إلى أهاليهم في لبنان نفسِه موردا للبلد. وإذا كانت الوثائق اللبنانية التي يحملها بعضهم تؤرّق الوزير المفوّه، فالمعلوم أنهم يكدّون من أجل أن تتيسّر لهم بدائل عنها، ولا ينبغي لأي من هذه التفاصيل أن يتصل بقصة "شطبهم" من سجلات الوكالة الأممية التي توجّه إليها صاحبنا هذا بالنصيحة.
ومن غرائب ما فعله المرشّح الراهن في الانتخابات النيابية اللبنانية، جبران باسيل، أنه في اجتماع روما جاء على حكاية تحمّل بلاده استضافة 500 ألف لاجئ فلسطيني في سبعين عاما مضت. وفي الوسع أن تُحتمل نبرة التمنّن الظاهرة في كلامه، معطوفةً على التهويل والمبالغة الواضحيْن، لو أنه أبلغ مستمعيه أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم الآن نحو 174 ألفا فقط، بحسب إحصاءٍ مهنيٍّ شاركت في إنجازه، أخيرا، مؤسساتٌ لبنانية مختصة، وأعلنت نتائجُه بحضور سعد الحريري، رئيس مجلس الوزراء اللبناني الذين يعد باسيل واحدا منهم.
صار ضروريا أن يسمع الوزير جبران باسيل هذه الجملة: إلا "أونروا" رجاءً.