"اجتماع النقب" في مقابل مبادرة السلام العربية
تمثّلت أول ردّة فعل إسرائيلية ضمن سياق التحليل على نتائج القمة العربيّة التي عقدت في جدّة، وبالذات تجديد التمسّك بمبادرة السلام العربيّة، في استعادة الاستنتاج الفكري لما سمّيَ "اجتماع النقب" الذي عقد في كيبوتس "سديه بوكر" في صحراء النقب الجنوبيّة، يوم 28 مارس/ آذار 2022، وحضره وزراء خارجية كل من إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات والبحرين، وتزامن مع مرور 20 عامًا على إقرار مبادرة السلام العربية في ختام القمّة العربية في بيروت في أواخر مارس/ آذار 2002، وكذلك مع مرور 15 عامًا على إقرار هذه المبادرة مُجدّدًا من الدول العربية في قمّةٍ أخرى عقدت في الرياض، في نهاية شهر مارس/ آذار 2007.
وفحوى هذا الاستنتاج الفكري أن "اجتماع النقب" يدلّ بوضوح، من بين أمورٍ أخرى، على أن القادة العرب قد نسوا هذه المبادرة تمامًا، ولم يعودوا يُلزمون أنفسهم بها، بل ورُبّما باتوا مسلّمين بأنها أصبحت غير قابلة للإحياء أو حتى إعادة الترميم، وكذلك باتوا مسلّمين بأن إسرائيل نجحت في أن تُجهضها، وهي التي لم تقبلها بشكلٍ مطلق، ولم ترفضها رفضًا باتًا.
ولدى استعادة هذه المبادرة في سجلات الوقائع الإسرائيلية، أول ما يخطر على البال أن أنصار السلام في إسرائيل أشاروا مرّات كثيرة إلى أن المبادرة قبلتها جميع الدول العربية والإسلامية، ما عدا إيران. وبناء على ذلك، يستند التوصل إلى اتفاق سلام إلى هذه المبادرة سيحقّق لإسرائيل، للمرّة الأولى منذ قيامها، اعترافًا بوجودها دولة من جميع الدول العربية والإسلامية وسائر الدول والجهات المؤيدة لها، واعترافًا دوليًا لأول مرة أيضًا بسيادة إسرائيل في القدس الغربية عاصمة لها. كما أن الحديث لا يدور حول تهدئة ووقف لإطلاق النار أو اتفاقية انتقالية، كما هو مألوف بين إسرائيل والفلسطينيين، وإنما يدور حول إنهاء الصراع، وإبرام اتفاقية سلام شامل. ولم يعد الحديث يدور حول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية واحدة، وإنما حول معاهدة سلام مع كل الدول العربية مجتمعة. كذلك، لم يعد الحديث مقتصرًا على مشروع حلّ أكاديمي أعده باحث أو سياسي أو طاقم من الشخصيات العامة أو الخبراء غير الرسميين، وإنما هو بشأن مشروع حلٍّ أقرّته السلطات الرسمية في 22 دولة عربية، وتؤيده جميع الدول الإسلامية في العالم ما عدا إيران. وذهب بعض هؤلاء إلى أبعد من ذلك، حين أشاروا إلى أنه كان من المألوف القول في إسرائيل آنذاك إنه لا يوجد لدى الفلسطينيين شريك جادّ لصنع السلام مع إسرائيل، ولكن ألا يمكن لـ22 دولة عربية أن تكون شريكة من هذا النوع؟
ينبغي أن يُشار إلى أن إطلاق المبادرة العربية للسلام جاء إثر عدة مُستجدّات، أهمها إخفاق مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 والذي أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، إيهود باراك، بعده أنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام، وتلا ذلك اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول 2001). وبُني الموقف الإسرائيلي من تلك المبادرة على أساس تلك المُستجدّات. وفي تلك الفترة، تولى منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، وسط محاولات إسرائيلية متواترة استهدفت تسويق "صورة جديدة" له، وتحديدًا منذ أعلن قبوله رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش الابن لتسوية الصراع مع الفلسطينيين والمعتمدة على "مبدأ دولتين لشعبين"، غير أنه في مقابل مبادرة القمّة العربية في بيروت انكشفت حكومة شارون بكونها مُجرّدة من أي رؤيةٍ سياسيةٍ لتسوية الصراع، ما يحيل إلى أن التغيير الذي طرأ على شارون كان تكتيكيًا أكثر منه جوهريًا، كما أن ردّات فعل مماثلة من الاستخفاف وعدم الاكتراث صدرت في ذلك الوقت عن إسرائيل الرسمية إزاء ملك الأردن والرئيس المصري اللذيْن كانا توجها مباشرة إلى الشعب في إسرائيل عبر لقاءات مع قنوات التلفزة الإسرائيلية.