احتفاء إسرائيلي بالصادرات العسكرية في 2022
في سياق إجمال عام 2022 الذي يوشك أن ينقضي، لا تُخفي إسرائيل احتفاءها بازدياد صادراتها العسكرية والأمنية، وتسجيلها نسبة قياسية غير مسبوقة، نتيجة توقيع صفقات ضخمة على خلفية عودة العالم إلى سياسة سباق التسلّح. وهناك إقرار بوجود عاملين رئيسيين، حفّزا هذه السيرورة: اتفاقيات أبراهام لتطبيع العلاقات مع دول عربية، والحرب المستمرّة في أوكرانيا. رفعت تلك الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل قبل نحو عامين مع الإمارات والبحرين والمغرب التصدير الأمني الإسرائيلي إلى دول المنطقة، وفي عام 2021 بلغت المبيعات إلى تينك الدولتين في الخليج نحو 7% من إجمالي الصفقات. وكُشف أخيرًا أن إسرائيل باعت منظومات دفاع متطوّرة من طراز باراك وسبايدر للإمارات، وأن المغرب وقع صفقة للتزوّد بصواريخ باراك.
وتسبّب تصاعد تهديد المُسيّرات الإيرانية، وخصوصًا في ساحات القتال في أوكرانيا، واتساع الهجمات الجوية الروسية، برفع قيمة منظومات الدفاع الجوي التي تنتجها إسرائيل في أوروبا أيضًا، ما مهّد الأرضية لألمانيا ثمّ لـ13 دولة في حلف الناتو، وفنلندا التي ليست عضوًا فيه، للانضمام إلى مبادرة "حماية السماء الأوروبية"، من أجل بناء غلاف دفاع جوي مشترك. وفي إطار هذه المبادرة، قرّرت ألمانيا التسلح بمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "حيتس 3". وفي البداية، نشر عن صفقة بملياري دولار. وبعد انضمام الدول الأخرى، يقدّر مبلغ الصفقة بنحو ثلاثة مليارات دولار، وهي تنتظر الضوء الأخضر من واشنطن. وفي حال توقيعها، ستكون الصفقة الأكبر التي تعقدها الصناعات الأمنية الإسرائيلية على مدار تاريخها كله.
ووفقًا لما قاله المدير العام للصناعات الجوية الإسرائيلية، بوعاز ليفي "يدور الحديث حول أفضل الفترات بالنسبة لهذه الصناعات الجوية... وهي تزيد مبيعاتها من فصل إلى آخر، وبلغت نحو 3.6 مليارات دولار حتى الربع الثالث من عام 2022، ما يعني الاقتراب من معدّل مبيعات سنوية يبلغ خمسة مليارات دولار، وهو إنجاز استثنائي للغاية".
وبحسب ما أكّدت مديرة برنامج "التكنولوجيا المتقّدمة والأمن القومي" في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ليران عنتيبي، سيواصل مجال الدفاع الجوي احتلال مكان آخذ بالتصاعد في ضوء تغيّر التهديد الجوي في العالم، والنشر المتزايد لوسائل بسيطة ورخيصة وفي متناول اليد، مثل المسيّرات الانتحارية والحوّامات، إلى جانب التهديدات الكلاسيكية. ونوّهت على نحو خاص بأن إيران تنتج مُسيّرات هجومية بكميات كبيرة، وهذه يجري إطلاقها بصليات من العراق واليمن في اتجاه أهداف في الخليج، مثل منشآت نفط ومطارات وسفن. وتكلفتها منخفضة جدًّا، 20 ألف دولار لكل واحدة، ولكن الضرر الذي تتسبّب به كبير، كما حدث في منشآت نفط "أرامكو" في السعودية، والدمار الكبير الذي ألحقته روسيا في أوكرانيا عندما بدأت تستخدم المسيّرات الإيرانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
حيال هذا، لا بُدّ من إعادة التذكير بأنه فضلًا عن قدرات الصادرات الأمنية الإسرائيلية، فإن ما يجعلها مطلوبة على نطاق واسع أنها تُباع من دون أي قيود، بما في ذلك إلى أنظمة استبداد ظلامية. ويؤكّد أغلب الناشطين من أجل زيادة الشفافية والإشراف العام على التصدير الأمني الإسرائيلي، أن كل الحكومات الإسرائيلية تتبع، منذ سبعينيات القرن الفائت، سياسة واحدة في هذا الملف، تتجسّد بشراء مؤيدين في أرجاء العالم عن طريق تزويدهم بالسلاح الفتّاك. وأول من انتهج هذه السياسة كانت حكوماتٍ توصف بأنها "يسارية"، فمثلًا في فترة ولاية حكومة يتسحاق رابين الثانية، كانت إسرائيل ضالعة في تشيلي والأرجنتين، وكذلك في رواندا والبوسنة والهرسك، وهي أماكن ارتُكبت فيها جرائم رهيبة ضد المدنيين. كما أن جميع الذين عملوا في هذا المجال جنرالات كبار ينتمون تاريخيًّا إلى مباي، الحزب الذي أسّس إسرائيل وحكمها حتى عام 1977، ومنه انبثق حزب العمل الحالي؛ حيث انتقل جنرالات إلى السياسة، وذهب آخرون إلى الصناعات الأمنية، وبذا، بيّضت اليد الواحدة الأخرى.