احتلال دمشق
لفت الانتباهَ تحذيرُ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، في 12 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، من احتلال إسرائيل دمشق، نظراً إلى أنّه الأول على هذه الدرجة من الخطورة يصدر من رئيس دولة كبرى معنية مباشرةً بالشأن السوري، وبما يتّصل به إقليمياً، وضاعف من أهمّيته أنّ تركيا لعبت دوراً أساسياً في التطوّرات السورية منذ انطلاق الثورة السورية في مارس/ آذار 2010، ولا تزال صاحبةَ قرارٍ وازنٍ فيما يتعلّق بحاضر البلد الجار ومستقبله، فهي تستقبل في أراضيها قرابةَ ثلاثة ملايين لاجئ سوري، ولها حضور عسكري وأمني، وتدعم وتساند الفصائل العسكرية المنتشرة في شمال غربي سورية، يزيد تعداد مقاتليها على مائة ألف، بالإضافة إلى ما يشكّله لها من تحدّياتٍ وجودُ "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، التي تسيطر على ثلاث محافظات: الرقّة، ودير الزور، والحسكة، بدعم سياسي وعسكري أميركي، من خلال نشر أكثر من ألفي جندي في قواعد عدّة.
جاء كلام أردوغان في معرض الردّ غير المباشر على تصريحٍ وَرَدَ على لسان الوزير الإسرائيلي السابق، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، الذي دعا إلى توجيه ضربة استباقية لنظام بشّار الأسد باحتلال الجيش الإسرائيلي الجزء السوري من جبل الشيخ، عند الجولان المحتلّ، منعاً لأيّ هجوم على إسرائيل، وعقاباً للأسد على "جعل سورية قاعدةً لوجستيةً لأعداء تلّ أبيب"، على حدّ زعمه. واعتبر الرئيس التركي أنّ "احتلال دمشق" يمثّل تهديداً إقليمياً خطيراً، و"سيمزّق خريطة سورية بالكامل". وما يهم أنقرة مباشرةً أنّ ذلك يعني وصول الجنود الإسرائيليين إلى حدود تركيا، وهو أمر له تداعيات خطيرة على الأمن التركي.
لم يقتصر تحذير الرئيس التركي على خطورة نيّات إسرائيل، بل بدت نبرته نقديةً بخصوص النظام السوري وروسيا وإيران، مشدّداً على أنّ على هؤلاء اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية تجاه وضع التهديد الكبير لسلامة الأراضي السورية. وفي هذا إشارة واضحة إلى عدم وجود قوّة يمكن أن تردع إسرائيل في حال أقدمت على اجتياح واسع للأراضي السورية، فالنظام شبه غائب عن مسرح الأحداث، وروسيا ترتبط بقواعد اشتباك مع إسرائيل بما يناسب مصالحها، ووضعها في الحرب على أوكرانيا، وسبق للشرطة العسكرية الروسية، المنتشرة في جنوب سورية، أن انسحبت من عدّة مواقع أمام توغّل القوات الإسرائيلية. وإيران لها حسابات استراتيجية مختلفة، وعلى الأرجح سوف يتحكّم اتجاه الحرب في لبنان بخططها العسكرية اللاحقة، ومصير المليشيات المرتبطة بها في سورية.
ويرى أردوغان أنّ الاستخدام الفاعل للقنوات الدبلوماسية، يمكن أن يمنع تصعيد الصراع في المنطقة، مُذكّراً بأنّ أنقرة "استخدمت الوسائلَ الدبلوماسيةَ كافّةً" لحماية سيادة سورية، ما يعني أنّ الأمر قد يذهب إلى أبعد من ذلك، ومع الأخذ بالاعتبار القلق على الأمن التركي، يمكن لأنقرة أن تلجأ إلى القوّة المسلّحة في سورية، وهي بذلك تلتقي مع من وصفهم من السوريين بـ"الرجال الشجعان"، الذين يدافعون عن وطنهم، في كلّ بقعة جغرافية "تمتدّ إليها الأيدي الملطّخة بالدماء".
ولا يمكن فصل حديث الرئيس التركي عن تحرّكات جارية في شمال غربي سورية، وعن استعداداتٍ عسكرية للفصائل السورية المسلّحة، تترافق مع زيارات ميدانية تقوم بها قيادات عسكرية تركية، في رأسهم قائد القوات البرّية سلجوق بيرقدار أوغلو، مع إجراء القوات التركية المنتشرة في الشمال السوري اختبارات جاهزية مكثّفة وغير معتادة. وفي الوقت نفسه، دفع النظام السوري بتعزيزات إلى شمال غربي سورية تابعة للفرقة 25 المدعومة روسياً، إلى جانب استنفار المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في ريفَي محافظتَي إدلب وحلب، التي تتردّد شائعات قوية عن احتمال الهجوم عليها من الفصائل المدعومة من تركيا.