الأردن .. إلى "اليمين" دُر
تابعت النخبة السياسية وشريحة من الشارع الأردني بعض خطابات النواب في جلسات الثقة في حكومة بشر الخصاونة، مع رسوخ القناعة لدى الأغلبية العظمى في الشارع أنّنا أمام استنساخ رديء ومتكرّر للسيناريو نفسه؛ وأنّ مسألة تحصيل الثقة المريحة (كما وصفتها وسائل إعلام قريبة من الحكومة) بمثابة تحصيل حاصل.
لا يتوقّع أن يتغيّر شيء، إذن، مع مجلس النواب الجديد، على الرغم من أنّه يضم قرابة مائة شخصية جديدة (من أصل 130)، ولبعضها توجهات سياسية نقدية ومعارضة، وأكثر شدّة من المعارضة التقليدية الموجودة بتمثيل ضئيل في مجلس النواب (ثمانية أعضاء)، مع ذلك، لن يؤدي السياق المحيط في المجلس إلى أي تحول، بل من الطبيعي أن يفقد المجلس، بسرعة قياسية، ثقة الرأي العام فيه، كما حدث مع المجالس السابقة.
في الأثناء، ترتفع وتيرة الأزمة بين الدولة ونقابة المعلمين، بعد صدور قرار قضائي بحل النقابة، وهو أمر صدم النخبة السياسية وعشرات آلاف المعلّمين، لكن من كانوا يتابعون ملف الأزمة يعرفون أنّ هنالك اتجاهاً رسمياً يرى أنّ الموافقة على تأسيس النقابة (خلال لحظة الربيع العربي 2011) خطأ كبير يجب تصحيحه!
لا يختلف الأمر مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثّل القوة الكبرى في المعارضة التقليدية، إذ تبدو الأمور في غاية التأزيم مع الإصرار الرسمي على مصادرة أموال الجماعة وممتلكاتها، وإنهاء وجودها قانونياً، والحال كذلك في العلاقة بين الدولة والنشطاء السياسيين والقوى السياسية المعارضة الأخرى، من زاوية التأزيم والتصعيد المتبادل.
يتزاوج ذلك مع انطباعٍ عام مهيمن على النخب السياسية، مرتبط بمؤشّرات عديدة، أنّ الدولة تتجه إلى اليمين، مع حكومة الخصاونة، من حيث تشكيل الحكومة وتركيبة مجلس الأعيان والسياسات والقرارات والتعامل مع المعارضة السياسية عموماً، ما نلاحظه أيضاً في التعامل مع ملف الحريات العامة وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي.
قد يفهم بعضهم أو يفسّر هذه الانعطافة بالوضع الدولي والإقليمي؛ على صعيد مواجهة صفقة القرن وما قد تثيره من قلق لدى الأردنيين (من أصول شرق أردنية؛ على هوية الدولة، مع التحفظ على كثير من المصطلحات والمفاهيم هنا)، والسياسات العربية ضد الإسلام السياسي والموقف من أفكار الربيع العربي وممارساته في الجملة، والتوجه العام نحو ما تسمى تقوية صورة الدولة في مواجهة مرحلةٍ اعتُبرت، ضمن هذه الحسبة، مرحلة ارتخاء وتهاون أدّت إلى إضعاف صورة الدولة لدى الرأي العام.
ثمّة ثلاث مفارقات مهمة، هنا: الأولى، من باب التقييم والقراءة، لا يوجد فرق بين الحكومتين، الحالية والسابقة، من زاوية التوجهات الاقتصادية، فالكل يطبّق الوصفة نفسها، ولا يوجد فرق أيضاً سياسياً، لأنّ حكومة عمر الرزاز التي وصفت بالليبرالية لم تتقدّم أي خطوة في مجال الإصلاح السياسي، وأبقت على قانون الانتخاب، وقد يكون الفرق فقط في التوصيف والتعريف وخلفية بعض الوزراء في الحكومتين، مع العلم أنّ رئيس الوزراء السابق أبقى، في البداية، على أغلب الفريق الوزاري للحكومة التي سبقته (حكومة هاني الملقي التي رحلت بسبب احتجاجات الدوّار الرابع 2018)!
أمّا المفارقة الثانية التي يمكن إعادة صياغتها عبر سؤالٍ رئيسٍ لتعريف المعالم السياسية للعام الحالي وتحديدها، فتتمثّل أنّ هذه السياسات والتركيبات، وبعبارة أعمّ "المعادلة السياسية"، تشكّلت في ظل بيئة دولية وإقليمية مختلفة، مع السياسات الترامبية وهواجس صفقة القرن والعداء للمعارضة، والاستقطاب الإقليمي؟ فيما يبدو اليوم المشهد الدولي والإقليمي في حالة حراكٍ وتغيّر وتطوّر، ما سينعكس بوضوح على السياسات الأميركية في ملفات الديمقراطية والحريات العامة وحرية التعبير والإعلام، وعلى دور المجتمع المدني الدولي تجاه ما يحدث في داخل الدول، وعلى الموقف الإقليمي ومتعلّقاته، بالإضافة إلى توقف القلق إزاء صفقة القرن والهواجس المرتبطة بها. فهل سيكون هنالك إصرار على هذا الخط والاتجاه الذي أصبح يتعارض مع المتغيرات الدولية والإقليمية والحسابات السابقة؟
المفارقة الثالثة، وهي الأهم، ماذا عن المتغيرات الداخلية؟ مع تداعيات كورونا الاقتصادية، على صعيد البطالة والفقر والأسعار والظروف الاقتصادية وعجز الموازنة والمديونية، وكل الدراسات الدولية والمحلية التي تصدر ليست مقلقة فقط، بل من المفترض أنّها في الحدّ الأدنى من المفترض أن تثير الرعب لدينا جميعاً، ألا تستحق مثل هذه الأوضاع والظروف انفتاحاً سياسياً وتوسيعاً في الشراكة والمشاركة لتجنب انزلاقات ومخاطر كبيرة؟