الأسد وبن زايد: أين المفاجأة؟

01 ابريل 2020
+ الخط -
ليس عجيباً ولا غريباً ولا مفاجئاً اتصال محمد بن زايد ببشار الأسد. ربما يكون محمد بن زايد نفسه هو المتفاجئ الوحيد إلى درجة أنه أوحى بأنه يبحث في كورونا عن عذر لتبرير التواصل، بحسب ما جاء في تغريدة له نشرتها ببغائية وكالتي "سانا" و"وام". 
محمد بن زايد، وباقي أركان السلطة الإماراتية عموماً، لم يكونوا راغبين يوماً لا بإزاحة النظام السوري، ولا بإصلاحه، حتى منذ اندلاع الثورة. حفلات الغزل المتبادلة بين آل الأسد وآل نهيان قبل 2011، والتي تشتدّ حرارتها كلما عدنا إلى الوراء، زمن أوسمة حافظ لزايد والعكس بالعكس، تقدّم عينة عن كيف ينظر حاكم كل من البلدين إلى نظيره، ولا تغيّر الشتائم الموسمية العادية شيئاً في "العلاقات المميزة". لا عادى حكام أبوظبي القتلة القابعين في دمشق لأسباب عقائدية ولا على خلفيات مصلحية. على كل حال، فإنّ معاداة نظام الأسد ليست قيمة في حد ذاتها تُحتسب في رصيد صاحب العداء، فما أكثر هؤلاء الذين سمّوا نفسهم "أصدقاء الشعب السوري" وهم في ميزان الحقارة والقمع والدموية والتسلط والظلامية ينافسون الأسدين الأب والابن، وإن كانت تلك المنافسة شديدة العُسر، نظراً إلى ما بلغه حكّام قصر المهاجرين.
لكن للإمارات تاريخاً خاصاً مع التقيّة التي جعلتها يوماً ما عضواً من دون ضجة في صفوف نادي "الأصدقاء" هؤلاء. عضو كان مبادراً في ممارسة كل أصناف السياسات الضارة بحق الشعب السوري خصوصاً: يهتفون باسم السوريين، ثم يحجبون تأشيرات الدخول لآلاف منهم منذ السنوات الأولى من عمر الثورة، ويعتقلون مئات منهم، ثم يأتي دور توظيف سوريين في عداوات أبو ظبي لأنقرة وللدوحة لخدمة أجندة روسيا خصوصاً (هل تذكرون أحمد العودة وتسليم المناطق لروسيا في درعا؟) ويحوّلون من تيسّر من بين السوريين أيضاً، مبكراً، إلى مرتزقة لديهم، وصولاً إلى رعاية إعادة الأسد ونظامه إلى حضن النظام الرسمي العربي في مقر جامعة الدول، فيُعاد افتتاح السفارات العربية في دمشق، وإرسال عمر البشير في زيارته الأخيرة إلى الشام قبل التوجه إلى السجن، ويا للمفارقة.
لم تنضم الإمارات إلى نادي "أصدقاء الشعب السوري" وغرفتي "الموك" و"الموم" إلا مجبرةً، عندما كان هناك قرار أميركي بإضعاف النظام السوري إلى الحد الأقصى، في انتظار ظهور بديل سوري "مقبول" من صفوف المعارضة، تصبح معه إطاحة نظام الأسد ذات معنى سياسي يضمن مصالح واشنطن وحلفائها في الإقليم. هكذا انضمت الإمارات إلى مناهضي النظام السوري، ودفعت ما عليها من أموال، وسايرت بذلك أيضاً الهوى السعودي في الانتقام من الإهانة الشخصية التي وجهها بشار الأسد لمسؤولين عرب بعد حرب تموز 2006 عندما وصفهم بـ"أنصاف الرجال".
لكن رحلة الكذب الإماراتية في ادعاء العداء للنظام السوري كانت قصيرة جداً، حتى إنها، على قصر مدتها، طالت أكثر مما يفترضه المنطق. فالمنطق يضع كلّاً من حُكام أبوظبي ودمشق في خانة أعز الأصدقاء؛ هم واحد في نظرتهم الى الحرية كتخريب، والمواطنين كعبيد أو موتى، والديمقراطية كحكم الغوغاء و"الإسلام الجيد" ذاك الذي يحصر وظيفته بخدمة السلطان واختراع الفتاوى غب الطلب لما يناسبه، وإلا يكون إرهاباً. أما الهيمنة الإيرانية في سورية واحتمال أن تشكّل عثرة في طريق دمشق ــ أبوظبي، ففي هذا الكثير من الوهم: ألم تكن الإمارات سبّاقة في مصالحة (إن افترضنا أصلاً وجود خلاف) إيران من بوابة حرب اليمن؟ أليست الإمارات الشريك التجاري الأكبر لإيران من بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ مجدداً، ما هو المفاجئ في اتصال بن زايد بالأسد، بينما العلاقات الأمنية بين البلدين لم تنقطع يوماً؟ اسألوا علي المملوك وصِلة الوصل المصرية بين البلدين، عباس كامل. أين الغرابة في الاتصال، بينما الإمارات أعادت افتتاح سفارتها في دمشق (وجرّت معها بعض التابعين) منذ 2018؟
كان النظام السوري ولا يزال مصدر اطمئنان لبلد مثل الإمارات، وإن اضطر مرغماً أن يساير الرغبة الأميركية مؤقتاً. أما وقد اختفى الضغط الأميركي، فلم يعد يبقى إلا انتظار نهاية الموجة الحالية من كورونا، لكي يزور بشار الأسد أبوظبي، ويرد له محمد بن زايد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة الذي سبق أن سلمه حافظ الأسد لزايد آل نهيان في دمشق ذات يوم من عام 1973.
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".