الاختراق الأمني الإسرائيلي التطور الأخطر منذ إحتلال العراق
لعل مشروع التحالف الأمني بين إسرائيل وبعض دول الخليج العربي أخطر ما تتعرّض له المنطقة العربية منذ غزو العراق واحتلاله. وبالإضافة إلى أن تعميق التطبيع بين بعض الحكومات العربية وإسرائيل يتعارض مع مشاعر غالبية الشعوب العربية وآرائها ومصالحها، بما في ذلك شعوب البلدان المنخرطة في التطبيع، فإن توسيعه عسكرياً وأمنياً يمثل تشجيعاً لإسرائيل على الإمعان في قمعها الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه، وترسيخاً لنظام التمييز العنصري ضده، بما في ذلك الاعتداء السافر على القدس والمقدسات الإسلامية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، بغرض تكريس ضمّها وتهويدها، غير أن الأمر الأخطر الذي يجب أن تنتبه إليه دول المنطقة المعنية هو الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي، القائم على المبدأ الاستعماري القديم، باستخدام سياسة "فرّق تسد"، وذلك من خلال تحويل الصراع الإسرائيلي الإيراني، والصدام الأميركي – الإيراني، إلى صراع إيراني عربي، يحوّل دول الخليج إلى ساحة صدام تحمل، في طياتها، مخاطر جمّة على اقتصاد هذه البلدان وأمنها وشعوبها. وذلك أمر بالغ الخطورة، خصوصاً إذا ما جعل هذه البلدان تعيش تجربة مماثلة لما جرى لأوكرانيا التي حُولت إلى ساحة صدام بين القوى العظمى، دمّر مقدّراتها واقتصادها، وألحق الأذى بشعبها، عندما لم تستطع أن تنأى بنفسها عن الانجرار إلى ذلك الصدام.
استراتيجياً، تحاول إسرائيل تحقيق أربعة أهداف خبيثة: أولاً، جرّ المنطقة إلى صدامات وحروب تضر جميع شعوبها، كما جرى خلال الحرب الإيرانية العراقية التي أُنهك فيها البلدان، ثم جرى احتلال العراق وتدميره، في إطار الخطة التي وضعها معهد الشرق الأدنى في واشنطن، المحكوم باللوبي الصهيوني، تحت عنوان "الاحتواء المزدوج" للعراق وإيران. ومن شأن تلك الصدامات إضعاف كل البلدان العربية، وخصوصاً دول الخليج اقتصادياً، وتكنولوجياً، وأمنياً، وعسكرياً.
يمثل إدخال منظومات الأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي إلى بلدان عربية، بعد أن تسلّلت إليها برامج المنظومات الاستخباراتية الإسرائيلية، اقتحاماً أمنياً خطيراً
ثانياً: يمثل إدخال منظومات الأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي إلى بلدان عربية، بعد أن تسلّلت إليها برامج المنظومات الاستخباراتية الإسرائيلية، اقتحاماً أمنياً خطيراً، يجعل هذه البلدان فريسة للتجسّس والتحكّم الإسرائيلي بصورة لا تحمد عقباها، ويجعل أمنها أسيراً للإرادة الإسرائيلية. ومن واجب الجميع تذكر "أن خروج إسرائيل من هذه البلدان لن يكون مثل دخولها"، عندما يستيقظ الوعي بمخاطر تدخلاتها.
ثالثاً: استباحة كل المحيط العربي للسيطرة الإسرائيلية المدعومة أميركياً، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، ذلك أن إسرائيل تدرك أنها قوة صغيرة، جغرافياً، واقتصادياً، وبشرياً، مهما بلغ تطورها العلمي والتكنولوجي، ولذلك فإنها تحاول مضاعفة قوتها عبر السيطرة على جغرافية البلدان العربية الغنية واقتصادها، خصوصاً دول الخليج العربي.
رابعاً: في ظل انشغال الولايات المتحدة بصراعها المحتدم مع الصين وروسيا، تحاول إسرائيل أن تحلّ مكانها، وربما بموافقتها، قوة حماية عسكرية في المنطقة، وذلك يحمل، في طيّاته، مخاطر تحول إسرائيل إلى شبه إمبراطورية عسكرية جديدة تتحكّم بمقدّرات المنطقة العربية الهائلة، وخصوصاً كبرى مصادر الطاقة العالمية، والموقع الاستراتيجي المتميز، والمصادر المالية واستثماراتها التي تنمو في المنطقة العربية، بسبب تعاظم دخل قطاع البترول والغاز، بينما تتراجع في معظم بلدان العالم، بسبب أزمات الطاقة والغذاء والتضخم، الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
والغريب في الأمر أن كل التوتر المتصاعد في المنطقة يتمحور حول الادّعاء بأن هدفه "منع إيران من امتلاك أسلحة نووية"، مع تجاهل أن إسرائيل نفسها تملك، حسب رأي الخبراء، 300 رأس نووي قادرة على الوصول إلى كل بلد في المنطقة، وأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي رفضت وترفض توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وما من شك أن مصلحة شعوب المنطقة تتطلب من إيران والدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، تنحية خلافاتها، وحلّها بطرق سلمية، وسدّ الطريق بأسرع وقت ممكن، أمام الاجتياح الأمني الإسرائيلي الذي لا يفكّر إلا بمصالحه، وتوسيع هيمنته على المنطقة بأسرها. وهي تتطلب أن تدرك شعوب المنطقة المخاطر الهائلة من فتح الأبواب للتسلل الإسرائيلي، ولهذه الشعوب كثير مما تستفيده من قراءة واعية لتجربة الفلسطينيين مع إسرائيل وجشعها غير المحدود. فحتى عندما قبل المسؤولون الفلسطينيون حلولاً ظالمة، وتورّطوا في حلول "وسط" خادعة، كاتفاق أوسلو، على أمل أن يأتي ذلك بالسلام المنشود، لم يجدوا أمامهم سوى الجحود، وإدارة الظهر لكل عمليات السلام، وتوسّع استيطاني سرطاني، ونظام تمييز عنصري متوحش، يعتبر الفلسطينيين العرب عبيداً للهيمنة الصهيونية، ويرفض أي اعتبار لهم بوصفهم بشراً متساوين في الحقوق، بل ويكرس مفهوماً غيبياً يجعل من الإسرائيليين شعباً مختاراً له حقّ التسيّد والسيطرة على كل الشعوب الأخرى.
تملك إسرائيل، حسب الخبراء، 300 رأس نووي قادرة على الوصول إلى كل بلد في المنطقة
ومن المحزن أن بعض الحكومات العربية، بدل أن تقوم بواجبها الإنساني، قبل القومي والديني، باحترام القانون الدولي وفرض المقاطعة على ما أصبح نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الأسوأ في تاريخ البشرية، تقوم بالتطبيع والتعاون مع هذا النظام، من دون إدراك كل ما يحمله من مخاطر على شعوبها ودولها نفسها.. فهل يتّعظ الناس مما نراه أمامنا في الساحة الدولية، وفي أوروبا، ومما جرى ويجري في فلسطين؟ وهل يدركون مغزى الحكمة العميقة في المثل الشائع "أُكلت يوم اُكل الثور الأبيض"؟