الانتخابات التركية بين الداخل والخارج
تأخذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية بعد غد الأحد (14 مايو/ أيار)، شكل مواجهة بين تيارين عريضين: إسلامي معتدل يتحالف مع قومي محافظ، قوامُه حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية، وعلماني يتحالف مع الأقليات السياسية والقومية بقيادة حزب الشعب الجمهوري. وفي كل منعطف أو حدث داخلي مهم، تبرز بوضوح الاختلافات بين التياريْن، لتلعب الدور الأساسي في حسم الوجهة العامة، وكان هذا ملحوظا في محاولة انقلاب عام 2016 التي لم تخرُج عن هذا الصراع والتجاذب بين التيارين، لجهة مشاركة شخصياتٍ عسكريةٍ فيه، يحرّكها هدف تصفية الحساب مع توجهات الرئيس رجب طيب أردوغان الذي عمل على إعادة العسكر إلى الثكنات، وحدّ من دورهم في صنع القرار السياسي، ما أغضب الذين ينتمون إلى التيار العلماني، ممن يعتبرون أنهم من بنى قوة تركيا، ويعودون في مرجعيتهم إلى مؤسّس الجمهورية التركية، كمال أتاتورك، التي تحتفل بمئويتها خلال هذا العام.
سيقوّي فوز أحد التياريْن من شوكته، ويمكّنه من تنفيذ مشاريعه، ومنها إضعاف الخصم حتى لا يظلّ مصدر منافسة وتهديد، وهذا يبدو صعبا من خلال تقدير ثقل مراكز القوى، وقد أثبت أكثر من استحقاق انتخابي في الأعوام الأخيرة أن الشارع التركي واع لهذه المنافسة، ويميل إلى تركيز حالة من التوازن، كي لا يتحوّل الحكم إلى ديكتاتورية بيد حزب أو تحالف واحد، وهذا ما عبّرت عنه الانتخابات البلدية عام 2019 حيث خسر حزب العدالة والتنمية المدن الرئيسية أنقرة، إسطنبول، وأزمير. ويميل التقدير إلى أن تتعمّق هذه المعادلة أكثر في الانتخابات التشريعية في دورتها الحالية. وترجّح مصادر تركية أن تحقّق المعارضة العلمانية تقدّما على مستوى البرلمان لتمنع التحالف الحاكم من الأغلبية من جهة، وبما يمكنها من المساهمة في صنع القرار من جهة ثانية.
لو كان أردوغان يخوض الانتخابات على أساس برنامج انتخابي داخلي فقط لأصبح احتمال فوزه بولاية رئاسية جديدة أكثر صعوبة، بسبب ما تعيشه البلاد من أوضاع اقتصادية صعبة، رغم التقدّم الكبير على هذا الصعيد الذي حقّقه حكم حزب العدالة والتنمية في عشرين عاما. ولذا سيعزّز أردوغان رصيده الانتخابي من خلال النجاحات التي حققها على المستوى الخارجي في عدة أزمات مهمة بالنسبة لتركيا، منها الوضع في سورية، والحرب بين أرمينيا وأذربيجان، والحرب الروسية على أوكرانيا، والدخول في النزاع على الغاز في البحر الأبيض المتوسط. ويدرك الناخب التركي أن ما تحقّق على هذا الصعيد حصل بفضل اجتهاد أردوغان نفسه، ولو كانت المعارضة في الحكم لما تعاطت مع هذه الأزمات بالطريقة نفسها. ولذا يشكل فوز أردوغان استكمالا للعمل على هذا الطريق، وسيمنحه الفوز تفويضا للذهاب بقوة إلى فرض حضور تركيا لاعبا إقليميا ودوليا.
استنادا إلى ما سبق، يعدّ العامل الدولي مهما في الانتخابات التركية. وتتعامل الولايات المتحدة وأوروبا من منظور أن التيار الفائز هو من يحدّد سياسات المرحلة المقبلة. ومن دون شك، لا يحظى تحالف أردوغان بأي تعاطفٍ من الأطراف الغربية، بل يتمنّى معظمها له الخسارة، وأن تكون هذه الجولة الانتخابية خاتمة عهده. وتعتبر معظم الدول الغربية الرئيس التركي شخصية صعبة، والتعامل معها ليس سهلا، إلا أن هذا السبب لا يحول دون بناء علاقاتٍ براغماتية ذات منفعة متبادَلة معه. وتكمن المشكلة مع أردوغان في أنه يفكّر ويتصرّف على نحو مستقل، ولديه نظرة مختلفة للمصالح بين الشرق والغرب، وهو غير مستعدّ لأن يربط بلاده بحليفٍ واحد، وبرهن أن في وسعه أن يكون صديقا لروسيا والولايات المتحدة في الوقت نفسه، يناور بالقدر الذي يحقق مصالح بلاده، وبما لا يقطع حبال الودّ مع أيٍّ منهما بصورة نهائية.