الانتخابات الفلسطينية والبحث عن طريق ثالث
تمر الأيام مسرعة، بينما تمضي القوى السياسية الفلسطينية ببطء وتثاقل نحو موعد الانتخابات التشريعية المقرّرة في 22 مايو/ أيار المقبل، من دون أن تتضح خريطة التحالفات والائتلافات، ولا حتى الانقسامات والانشقاقات للقوى المشاركة في الانتخابات، لا بل ثمّة من يشكك في إجراء الانتخابات. ومن أسباب هذا التشكيك تأخر إعلان الرئيس محمود عباس عن تشكيل محكمة قضايا الانتخابات حتى مطلع مارس/ آذار الحالي، وإحالة قضايا خلاف مهمة إلى اجتماع ثان للحوار، لكن أمر انعقاده لم يحسم بعد، وسط تضارب في التصريحات بين قائل بعقده في موعده، منتصف الشهر الحالي، أو تأجيله.
بين لقاءات أمين سر حركة فتح، جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، وتفاهماتهما في إسطنبول مطلع يوليو/ تموز الماضي، وحتى اجتماعات الحوار في القاهرة الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، وما بينهما من جلسات ولقاءات في أكثر من عاصمة، وقعت تطورات كثيرة، أبرزها صدور المراسيم الرئاسية بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني على التوالي. في البداية، بلغ التفاؤل مبلغه، وتسربت أنباء عن قائمة بين حركتي وفتح حماس ومن يرغب من باقي الفصائل. وأمام غرابة الفكرة، والمعارضة التي جوبهت بها، جرى التراجع عنها سريعا، من دون استبعاد أن يبادر الطرفان ذاتيا إلى وضع سقفٍ لرغبة كل منهما في السيطرة والاكتساح، وذلك بحسب ما أفصحت عنه المخابرات المصرية التي رعت حوار الفصائل في القاهرة بألا تزيد حصة حركة فتح عن 50%، وحصة "حماس" عن 40%، من أعضاء المجلس التشريعي، الـ 132 الذين يشكلون "غرفة الداخل" من المجلس الوطني الفلسطيني، على أن تترك الـ10% لبقية الفصائل.
تشير معظم استطلاعات الرأي إلى وجود ما بين 20% إلى 25% من الجمهور الفلسطيني لا يؤيدون أيا من "فتح" أو "حماس"
ثمّة، إذن، مساحة لتمثيل قوى أخرى غير القوتين اللتين هيمنتا على ساحة السياسة الفلسطينية، وكانتا عنوانا للصراع الدموي، ولكل منهما سلطة: واحدة في الضفة الغربية تقودها حركة فتح، وثانية في قطاع غزة بقيادة حركة حماس. وتشير معظم استطلاعات الرأي إلى وجود ما بين 20% إلى 25% من الجمهور الفلسطيني لا يؤيدون أيا من الحركتين، فيميلون إلى بعض أحزاب اليسار وفصائله، أو القوى الإسلامية أو العلمانية الأخرى، بينما تُظهر نسبةٌ مهمةٌ رأيا سلبيا تجاه كل الأطراف القائمة، وقد تُقاطع هذه الانتخابات إذا لم تجد بدائل مقنعة. ومن بين الأطراف المشاركة في حوار القاهرة، انفردت حركة الجهاد الإسلامي بإعلانها رفض المشاركة في الانتخابات، من دون أن تسعى إلى تعطيلها، بحجّة أن الانتخابات تجري تحت سقف اتفاق أوسلو، بينما اتخذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قرار المشاركة بصعوبة، وكان واضحا الدعم الحاسم الذي قدّمه أمينها العام، أحمد سعدات، المعتقل في سجون الاحتلال منذ العام 2003، لهذا الخيار.
اجتذب البحث عن طريق ثالث يكسر حدّة الاستقطاب الثنائي الحاد، بين حركتي فتح وحماس، مروحة واسعة من القوى والأطراف والتشكيلات المتباينة في أصولها ومنطلقاتها، ومن بين هذه الأطراف من قرّر الخروج من تحت عباءة "فتح"، وضد قرارات الرئيس عباس في ضوء تصميمه على التجديد الشامل، ومنع أعضاء اللجنة المركزية للحركة والوزراء والمحافظين وأصحاب الرتب العسكرية العليا والنواب السابقين من ترشيح أنفسهم، والتهديد بفصل من يخرق قرارات الحركة.
طرح ناصر القدوة برنامجا متوقعا، يتضمن، إلى جانب الأهداف المعروفة عن الدولة والقدس، مطالب مشتقة من اللحظة الفلسطينية الراهنة
ومن أبرز الساعين إلى احتلال مساحة مؤثرة تيار القيادي السابق في حركة فتح والمفصول منها، محمد دحلان، ويطلق عليه "تيار الإصلاح الديمقراطي"، وهو يحظى بقوة ونفوذ ملحوظين، إلى جانب حرية حركة في قطاع غزة، في حين تفرض على حركة أعضائه قيود مختلفة في الضفة الغربية، مع وجود علني له في القدس وبعض المخيمات. وكسر عضو اللجنة المركزية للحركة، ناصر القدوة (ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات) القرار الرسمي لحركته، وأعلن تشكيل "الملتقى الوطني الديمقراطي الفلسطيني" لخوض الانتخابات، ودعا القيادي الأسير مروان البرغوثي إلى "الانخراط في الملتقى وقيادته"، وذلك مع ذيوع تكهنات بشأن نية الأخير منافسة عباس في انتخابات الرئاسة. وقد طرح القدوة برنامجا متوقعا، يتضمن، إلى جانب الأهداف المعروفة عن الدولة والقدس، مطالب مشتقة من اللحظة الفلسطينية الراهنة، وفي مقدمتها إعادة الوحدة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإعادة بناء منظمة التحرير، وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون ومكافحة الفساد. وقبل ذلك، أعلن عشرات من الناشطين المقرّبين من رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، سلام فياض، تأسيس ما أطلقوا عليه "الحراك من أجل الوطن والعدالة والديمقراطية (وعد)، ويضم كوادر في اليسار سابقين، وكتّابا ومهنيين، وناشطي المجتمع المدني. وأعلن المؤسسون أن حراكهم ليس بديلا عن الفصائل الموجودة، وأنهم يسعون لمجتمع ديمقراطي بعيدا عن التفرد في قيادة الشعب الفلسطيني. كما تبرز مجموعة "وطن"، ومن أبرز ممثليها نائب رئيس المجلس التشريعي السابق، حسن خريشة، وزميله معاوية المصري، وهما مستقلان أقرب إلى حركة حماس منهما إلى "فتح". وخسرت المجموعة، أخيرا، الأكاديمي عبد الستار قاسم الذي توفي متأثرا من إصابته بكورونا. ويستعد رجل الأعمال، بشار المصري، وهو مقرّب من حركة فتح لخوض الانتخابات بقائمة مستقلة، ذات برامج تنموية واقتصادية.
عقدت قوى اليسار الفلسطيني لقاءات لتوحيد صفوفها، في ضوء مخاوف من أن تُمنى بهزيمة محققة
وبينما أعلن المسؤول الفتحاوي عزام الأحمد نية حركته حمل خمسة فصائل صغيرة على قوائمها، جبهة النضال والعربية الفلسطينية، والجبهة العربية، والتحرير الفلسطينية، وحزب فدا (نفى صحة النبأ)، تتجه الأنظار بشكل خاص إلى قوى اليسار الفلسطيني التاريخية، أي الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحزب الشعب (الشيوعي سابقا)، وحركة المبادرة، ومجموعة مستقلين تطلق على نفسها اسم "الحراك الوطني الديمقراطي". وقد عقدت هذه القوى لقاءات لتوحيد صفوفها، في ضوء مخاوف من أن تُمنى بهزيمة محققة، في حال خوضها الانتخابات منفردة ومشتتة، وقد يعجز بعضها عن اجتياز نسبة الحسم البالغة 1.5%، خصوصا في ظل احتدام التنافس بين حركتي فتح وحماس، وما تملكانه من إمكانات مالية ونفوذ سلطوي، فضلا عن الإشكالات الذاتية التي تعاني منها فصائل اليسار. وقد حظيت فكرة تأسيس قائمة مشتركة لهذه القوى بدعم من أحمد سعدات، ولكن ثمة جدل ونقاش كثيران بشأن طريقة اختيار المرشحين ومعايير ذلك، بالإضافة إلى تمسّك "الشعبية" بمطلب اتخاذ موقف معارض للحكومة وسياساتها والمشاركة فيها.