الانتخابات وخيارات "فتح" الصعبة
احتفلت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، بالذكرى ال56 لانطلاقتها. ومنذ الطلقة الأولى التي فجرت ميلاد الثورة الفلسطينية المعاصرة، ظلت "فتح" كبرى الفصائل الفلسطينية، وعمود الوطن الفلسطيني في المنفى، أي منظمة التحرير الفلسطينية، ثم صارت حزب السلطة الحاكم بعد عودة زعيم الحركة التاريخي، الراحل ياسر عرفات، إلى الأراضي الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو مع إسرائيل. وعبر ما يزيد على نصف قرن، شكلت "فتح" هوية فلسطينيين كثيرين، سواء من انضموا لصفوفها بشكل كامل، أو من اكتفوا بالانتماء لها بالمناصرة والتأييد. وظلت "فتح"، منذ انطلاقتها قائدة العمل الفلسطيني السياسي، سيما وهي تحتكر السيطرة على اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمجلس الوطني، المكونات الأسمى في منظمة التحرير. وظلت "فتح" الكتلة الأضخم في الجسم الفلسطيني، على الرغم من محاولات الانشقاق التي شهدتها على مدار العقود الخمسة الماضية، منذ مقتل النقيب يوسف عرابي في بيت ياسر عرفات في حي المزرعة بدمشق في 9/5/1966 في ظروف غامضة، واستقالة نحو نصف أعضاء اللجنة المركزية للحركة وصولاً إلى الانشقاق الأكبر في جسم الحركة عام 1983. وعلى الرغم مما أصاب جسم الحركة من تشظّ منذ وفاة عرفات في العام 2004، وتولّي محمود عباس دفّة قيادتها، إلا أن الأخير تمكّن من السيطرة على الكتلة الأكبر من الحركة، من دون أن يمنع ذلك من حدوث شقوق (لم تصل إلى حد الانشقاق) داخل "فتح" وعلى ضفافها. وقد كشفت الأسابيع الماضية حدّة هذه الشقوق أو التصدّعات، وإمكانية تعمقها.
منذ إصدار الرئيس محمود عباس منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي مراسيم تحدّد مواعيد إجراء الانتخابات العامة في أراضي السلطة الوطنية والقدس، على ثلاث مراحل: تشريعية بنظام التمثيل النسبي الكامل في 22 مايو/ أيار، ورئاسية في 31 يوليو/ تموز، وانتخابات المجلس الوطني (البرلمان الممثل لفلسطينيي الخارج) في 31 أغسطس/ آب، سارعت قيادات وازنة في حركة فتح إلى اتخاذ مواقف متباينة عن رغبة الرئيس أبو مازن، ولا تميل إلى الالتزام بقرارات اللجنة المركزية للحركة. ولم يُخف أعضاء وكوادر في الحركة، من بينهم أسرى محرّرون ومسؤولون سابقون، بتشكيل قوائم موازية لخوض الانتخابات. وفي مقابل ذلك، تخشى قيادة "فتح" من أن تؤدي هذه الظاهرة إلى ضياع أصوات كثيرة محسوبة عليها، مؤكّدة أنها ستسعى إلى توحيد معسكراتها وتشكيل قائمة واحدة في الأسابيع القليلة المقبلة، قبل انتهاء موعد تسجيل القوائم نهاية الشهر المقبل (إبريل/ نيسان).
وبالعودة إلى تاريخ حركة فتح، يخشى بعضهم أن تكون الانتخابات، إن جرت، مع خطين عريضين تحت "إن جرت"، ضربةً قاصمة لظهر فتح، التي تآكل رصيدها الجماهيري منذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، ثم تأسيس السلطة الفلسطينية التي طغى الفساد على أداء مؤسساتها. كما فقدت "فتح" كثيرا من وهجها إثر غياب معظم قياداتها التاريخية، وفي مقدمتهم خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف ( أبو إياد)، والمؤسس ياسر عرفات، الذي استطاع لملمة أطراف الحركة وأجنحتها أربعة عقود، مرّات بالعصا وأخريات بالجزرة.
بانتظار ما ستكشف عنه الأيام القليلة المقبلة، لا تخفى بوادر التصدّع في الجسم الفتحاوي، فقد أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات، عن تشكيل"الملتقى الوطني الديمقراطي" الذي سيشارك في الانتخابات البرلمانية بقائمة منفصلة. أما القيادي الفتحاوي، نبيل عمرو، فمن المُرجح انضمامه إلى قائمة يُعدّها رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، بعد رفض طلبه بالحصول على موقع متقدّم في قائمة مرشحي الحركة. والأهم أن الحركة لم تتوصل حتى اللحظة لقرار نهائي من الأسير مروان البرغوثي، الأكثر ميلاً إلى منافسة أبو مازن في انتخابات الرئاسة.
تضع حالة "فتح" المترهلة أبا مازن بين خيارين أحلاهما مرّ، فإما خوض الانتخابات ب،"فتح" مشرذمة، أو إلغاء الانتخابات، والذرائع المتاحة كثيرة، حفاظاً على ما تبقى من "فتح".