التصعيد الآتي… أيّ سقف؟
لم يعد هناك جدوى من نقاش ما إذا كانت المنطقة مقبلةً على تصعيد بعد الجريمتين الإسرائيليتين في بيروت وطهران عبر اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة، فالتصعيد، وفق كل المؤشّرات، آتٍ لا محالة، والسؤال يمكن أن يتمحور حول السقف الذي سيصل إليه، وما إذا كان سيتدحرج إلى حربٍ كبيرة لا أحد يعرف مدى تطوّرها وإلى أين ستؤدي.
الجريمتان الإسرائيليتان أكبر من أن يُتغاضي عنهما، إن لجهة كيفية تنفيذهما أو الشخصين اللذين استُهدفا، إذ شكلتا خرقاً لكل قواعد الاشتباك التي كان معمولاً بها منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وفتح ما سمّيت "جبهات الإسناد"، سواء من لبنان أو العراق أو اليمن، وبدعم مباشر من إيران، فالعملية الأولى كانت في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله اللبناني، وهو أول خرق لقواعد الاشتباك بين دولة الاحتلال والحزب، فرغم أن هذا القصف للضاحية ليس الأول منذ بداية الحرب إذ سبقه اغتيال للقيادي في حركة حماس، صالح العاروري، إلا أنه لم يكن مسّاً مباشراً بحزب الله في ذلك الحين، على عكس اغتيال فؤاد شكر، والذي لم يمثل فقط ضربة "مؤلمة" للحزب، بحسب تعبير أمينه العام، حسن نصرالله، إضافة إلى أنه أدّى، في الوقت نفسه، إلى سقوط شهداء مدنيين في بيروت، وهي سابقة أيضاً منذ بداية العدوان على غزّة.
أما جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، الشهيد إسماعيل هنية، فتُعدّ أكبر خرق لقواعد الاشتباك، وتحمل رسائل كثيرة تؤشّر إلى أن ما قبلها لن يكون كما بعدها. تأتي البداية من رمزية المكان الذي حدث فيه الاغتيال، فهو ليس في قلب طهران فحسب، بل في إحدى مضافات الحرس الثوري الإيراني، ما يمثل خرقاً استخبارياً كبيراً، خصوصاً في ظل الغموض، حتى اللحظة، بشأن طريقة حدوث الاغتيال، وتضارب المعلومات بين تنفيذه بصاروخ أطلق "من دولة أخرى"، أو بعبوة زرعت داخل الغرفة قبل أشهر، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
بغض النظر عن طريقة التنفيذ، يبقى حصول الاغتيال في قلب طهران الحدث المفصلي، والذي لا يمكن للجمهورية الإسلامية التغاضي عنه. فإذا كان استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أشهر استدعى رداً إيرانياً، يمكن القول عنه إنه مضبوط، عبر إطلاق صواريخ ومسيّرات إلى داخل إسرائيل، فإن الرد اليوم "لن يكون شكلياً"، على حد تعبير نصر الله في خطابه تعليقاً على اغتيال شكر وهنيّة.
تؤكّد طبيعة الاغتيال أيضاً أن أبواب الدبلوماسية لتدارك التصعيد باتت مغلقة، فالاستهداف كان للرأس السياسي لحركة حماس، والذي كان عملياً مسؤولاً عن ملف مفاوضات تبادل الأسرى مع دولة الاحتلال. وهذه أيضاً سابقة في العدوان على قطاع غزّة، وربما في الحروب السابقة على القطاع أيضاً، إذ كانت الاغتيالات تتركّز أساساً على القيادات العسكرية، خصوصاً في السنوات القليلة الماضية. فاغتيال هنية يمثل دفناً للمسار السياسي في الحرب الحالية أو ما قد تؤول إليه لاحقاً، وهو هدفٌ واضحٌ لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وترجمه بعمليات الاغتيال.
اللافت أن هذه التطورات في مسار الحرب تأتي بعد عودة نتنياهو من زيارة الولايات المتحدة، ولقائه خصوصاً مع المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، ما يؤشّر إلى أن إمكانية حصول تفاهم بين الاثنين على عدم إغلاق ملف العدوان أو تجميده إلى حين وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة، إذ من المعلوم أن التصعيد يصبّ في مصلحة المرشّح الجمهوري، إذ يعكس فشل الإدارة الديمقراطية، رغم المحاولات الكثيرة، في الوصول إلى تهدئة أو وقف دائم لإطلاق النار.
ستكون الأيام المقبلة على موعد مع تطورات ميدانية مهمّة تحدّد مسار الحرب، والسقف الذي ستصل إليه، وما إذا كانت ستتطوّر إلى حرب واسعة، أم أنها ستقتصر على تعديل في حدود قواعد الاشتباك.