التعويم السوري والمد الإيراني
لم تكن زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، دمشق بادرة الانفتاح الأولى من أبوظبي باتجاه النظام السوري. إذ سبقتها قبل أكثر من سنة إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في العاصمة السورية، وهي تكمل حلقة من محاولات تعويم هذا النظام بدأت قبل أعوام من بعض الأنظمة العربية المعادية جهاراً للثورات، أو تلك التي تدور في فلك ما تسمى "أنظمة الممانعة" غير البعيدة عن إيران.
لكن اللافت هو تناقض عناوين الانفتاح على الأسد وأهدافه من معادي الثورات والممانعين، والتي تتمحور حول إيران، فالتبريرات الإماراتية للتطبيع مع النظام السوري تدور حول فكرة إبعاده عن إيران. هذا على الأقل ما تروّجه الأصوات الإماراتية المبرّرة لهذه الخطوة. في المقابل، يرى الآخرون في هذا الانفتاح والتعويم نصراً للنظام السوري، وبالتالي لإيران. الأمر الذي لم يخفه على سبيل المثال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والذي فسّر الزيارات بأنها "نصر للنظام في سورية" وبأنها أثبتت تصاعد قوة "محور المقاومة" (اقرأ الممانعة).
من المستحيل تصديق التبريرات التي تسوقها الإمارات للانفتاح على النظام السوري، والذي قد يأخذ منحى أكبر في القمة العربية المقبلة في الجزائر مع محاولات إعادة مقعد سورية في جامعة الدول العربية إلى النظام، فللإمارات أهداف أخرى بعيدة كل البعد عن فصل دمشق عن الحضن الإيراني، ولا سيما أنه فات الأوان منذ زمن كبير لذلك، فالتغلغل الإيراني في سورية بات غير قابل للاحتواء، حتى إذا أراد نظام بشار الأسد ذلك. تغلغل تخطّى الحدود العسكرية ليدخل في الأطر الاجتماعية والاقتصادية والدينية، في مؤشّر إلى بقاء طويل الأمد.
قد تكون النظرة الإماراتية لتعويم النظام السوري مرتبطةً بما دأبت عليه أبوظبي منذ بداية الثورات العربية، أي محاولة إنهاء كل التغييرات التي رافقت الاحتجاجات وسقوط عدد من الأنظمة، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه. وهي نجحت فعلياً في ذلك في كل من مصر وليبيا، والآن السودان وربما تونس، فيما بقيت بعيدةً عن ملف الثورة السورية بسبب التعقيدات والتداخلات الإقليمية والدولية فيه. لكنها اليوم، وفي ظل الجهود الروسية الكبيرة لتسويق النظام السوري عربياً وعالمياً، والانكفاء الأميركي عن التدخل في الملف السوري، أو على الأقل غموض توجهات إدارة جو بايدن تجاه هذا الملف، ترى أن هناك فرصة حقيقية لإسدال الستار على ما تبقى من الثورة السورية، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 2011.
مثل هذا التوجه تشاركها فيه كل الدول العربية المعادية للثورات، أو العائدة من ثورات، ولكن بدرجاتٍ متفاوتةٍ وبخطوات أقل جرأة من التي قامت بها أبوظبي. فالسعودية، وعلى الرغم من عدم إعلان نيتها الانفتاح على نظام الأسد، إلا أنها لم تمانع لقاء رئيس مخابراتها خالد الحميدان مع رئيس مخابرات النظام حسام لوقا على هامش "المنتدى العربي الاستخباراتي" في القاهرة قبل أيام. الأمر نفسه بالنسبة للقاهرة التي استقبلت رئيس المخابرات السوري.
وفي المقابل، ستكون تداعيات تعويم نظام الأسد كبيرة على الوضع العربي، وتحديداً للدول التي تناصب العداء لإيران. فقراءة نصرالله، وغيره من المسؤولين الذين يدورون في الفلك الإيراني، لهذا الانفتاح على أنه انتصار لمحور الممانعة فيه كثير من الحقيقة، ومن المرجّح أنه سيحفّز هذا المحور على مزيد من التمدّد في الملفات العربية، وخصوصاً في ظل خطوط الحوار المفتوحة بين النظام الإيراني الجديد والدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة في ما بعد عهد دونالد ترامب.