الجمال يرفض قبح الاحتلال
في رواية "زوربا" لليوناني نيكوس كازانتزاكيس، (صدرت طبعتها الأولى عام 1946)، يقول ألكسيس زوربا، الرجل الأميّ الذي خَبِر الحياة بالتجارب والأسفار، وكَوّن موقفاً مختلفاً من الحياة، قوامُه صون إنسانيته من كل التهديدات، يقول لباسيل، المثقف والمستثمر الثري: "إنني أغربل نفسي، تخلّصت من الوطن، تخلّصت من الكاهن، تخلصت من الماء. إنني أغربل نفسي كلما تقدم بي العمر، غربلت نفسي أكثر. إنني أتطهّر. كيف أقول لك؟ إنني أتحرّر، إنني أصبح إِنسانا". تعيدك ملكة جمال اليونان، رافاييلا بلاستيرا، إلى عبارات زوربا تلك، وهي تعلن انسحابها من مسابقة ملكة جمال الكون التي تقام في مدينة إيلات (أم الرشراش) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في الشهر المقبل (ديسمبر/ كانون الأول). وبكامل أناقة إنسانيتها تقول الملكة رافاييلا: "لا يمكنني الصعود على المسرح والتصرّف كأنّ شيئاً لا يحدث، بينما يقاتل الناس من أجل حياتهم هناك". كلماتٌ جميلةٌ ومعبرةٌ عن فلسفة يرتفع فيها الجمال البشري إلى أرقى درجات الإنسانية، رافضاً الرقص على عذابات الآخرين.
ترفض الجميلة اليونانية، رافاييلا بلاستيرا، الذهاب إلى إسرائيل "أساس الشرور في العالم"، كما وصفها الفنان العالمي، ميكيس ثيودوراكيس (1925-2021) مؤلّف موسيقى فيلم "زوربا"، ومن أعاد، في العام 1981، توزيع لحن النشيد الوطني، "فدائي"، تعبيرا عن دعمه القضية الفلسطينية. ويذكّرنا جمال الموقف بالموقف الجميل للرئيس اليوناني الاشتراكي، أندرياس باباندريو، مع لبنان والفلسطينيين خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982، عندما فتح بلاده لاستقبال للزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، والفدائيين الخارجين من حصار بيروت، واصفاً احتلال إسرائيل لبنان بالنازية والفاشية.
ولأن الجمال لا يستقيم مع قبح الاحتلال، رفضت ملكتا جمال إندونيسيا وماليزيا كذلك المشاركة "كي لا تساهما في تبييض جرائم الاحتلال الإسرائيلي". ولأن "ثورة جنوب أفريقيا لن تكتمل أهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حرّيته"، كما قال المناضل الأممي الراحل نيلسون مانديلا، سحبت جنوب أفريقيا الجميلة دعمها ملكة جمالها، لاليلا مسوان، لحملها على مقاطعة المسابقة الجمالية العالمية بسبب "الفظائع التي ترتكبها إسرائيل". جميلاتٌ من أقطار عربية غلب قُبح خُلقهن جمال خَلقهن، وقرّرن المشاركة، ولكن هذا لن يُجمّل وجه الاحتلال البشع.
موقف جميل آخر سجّله بطل الجودو الجزائري، فتحي نورين، اعتزال اللعب نهائيًا، على خلفية قرار اللجنة الأولمبية بإيقافه عشرة أعوام بعد انسحابه أمام لاعب إسرائيلي في أولمبياد طوكيو، في يوليو/ تموز الماضي. وقال نورين: "أعلم أن الاتحادات الدولية دائمًا ما تتواطأ مع الإرهاب الصهيوني، بخاصة الاتحاد الدولي للجودو، ولعل خير دليل هو بقاء عقوبتي كما هي حتى بعد التقدّم بالطعن". وأكد أنه غير نادم. وقال "بالعكس، أنا أفتخر بهذا وبهذه العقوبة، وسأستغل أي فرصة تأتيني لكشف الحقائق عن الكيان الصهيوني والدفاع عن القضية الفلسطينية بأي طريقة كانت بإذن الله".
مهما حاول الاحتلال إخفاء وجهه القبيح بعمليات تجميل دعائية، فإن الحقائق على أرض الواقع تكشف عن طبيعة كيانه العدوانية البشعة، المتنكّرة للشرعية الدولية وأبسط المبادئ الإنسانية، والموغلة في تكريس سياسة الاغتصاب والاستيطان في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية وتصعيد ممارساتها العدوانية على الشعب الفلسطيني الأعزل والمدنيين الأبرياء، وأبشعه الحصار الاقتصادي الخانق المفروض على قطاع غزّة وأهله. بعد ثلاثة أيام، يحلّ الـ 29 من نوفمبر/ تشرين الثاني، اليوم العالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية، كما أقرّته الجمعية العامة للأمم المُتحدة في 1977، ليكُون يومًا دوليًا للتأكيد على التضامن مع الشعب الفلسطيني، يجدّد فيه الفلسطينيون، ومعهم أحرار العالم، تمسّكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية، وحقهم في العودة إلى ديارهم التي أخرجوا منها بغير حق، على الرغم من عمليات القتل والإرهاب والتنكيل، وسرقة الآثار الفلسطينية والانتهاكات المستمرّة للمقدسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى. يوم يؤكّد فيه أحرار العالم، وأجملهم أخلاقاً، دعمهم للشعب الفلسطيني في مطالبه العادلة، ورفضهم احتلالا بشع المبنى والمعنى.