الخبز في مصر بعد سورية ولبنان
تتابعت في الأسابيع القليلة الماضية الضربات التي استهدفت في ثلاثة بلدان عربية رغيف الخبز، بإنقاص وزنه ثم برفع سعره، ما قد يجيز القول إن جامعا صار "يوحّد" بعض الأوضاع العامة في هذه البلدان، وهو تدهور كفاءة الدولة في صيانة حقوق مواطنيها في العيش الكريم. والحديث هنا عن سورية التي أعلنت فيها، الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك (دعك من طرافة اسم الوزارة) مضاعفة سعر ربطة الخبز، ليصبح مائتي ليرة بدل مائة. وأياما بعد هذا القرار، أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان، خفضا سادسا لوزن ربطة الخبز (الأبيض)، وارتفاعا ثالثا في سعرها، ليصل إلى 4250 ليرة للمستهلك. ولاحقا، أعلن في مصر رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، بشخصه، "وعيدا" برفع سعر رغيف الخبز الذي جرى، قبل شهور، تخفيض وزنه من 110 غرامات إلى 90 غراما، وقال إنه سيتحمّل مسؤولية هذه الزيادة، ولن يترك الأمر للحكومة التي لم تحسم، حتى كتابة هذه السطور، السعر الجديد. وبدا أن الوقت متروكٌ حاليا لمشايخ وأساتذة جامعيين وإعلاميين من حواشي السلطة ليزيّنوا هذا القرار "الصائب والموضوعي"، بحسب واحد من هؤلاء، غير أن أحزابا وفاعلياتٍ سياسيةً مصريةً بادرت إلى التحذير من مضاعفاته وتداعياته، ومنها أنه "يهدّد السلم الاجتماعي"، بحسب حزب الكرامة، وذلك بالنظر إلى الفقر الحاد في مناطق غير قليلة في البلاد (أعلن الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة العامة تراجع معدلات الفقر من 32,5% في 2017 - 2018 إلى 29,7% في 2019 - 2020)، وبالنظر، قبل هذا وبعده، إلى أن الغلاء الفادح ومحدودية الدخول وكثرة منافذ الإنفاق من الأسباب التي صارت تضطّر أسرا مصرية إلى الاعتماد على "العيش" (الاسم العامي للخبز) في سدّ الجوع، ولتيسير الشبع اللازم (زاد استهلاك اللبنانيين الفلافل مع ارتفاع أسعار اللحوم أخيرا). ولمّا صار ذائعا حديث المختصين في مصر عن انتشار السُّمنة وسوء التغذية بين تلاميذ المدارس في مصر، فإنهم يعيدونهما إلى الإفراط في استهلاك الخبز لعدم القدرة المالية على التزوّد بالغذاء المفيد، والمتنوّع من اللحوم والفاكهة.
ليس الخبر في أن سعر رغيف الخبز سيتحرّك، بعد أن ظل ثابتا في خمسة قروش منذ 30 عاما، ولا في أن الرئيس السيسي يستهجن أن يكون سعر عشرين رغيفا يساوي سعر سيجارة (هل هذا صحيح؟)، وإنما في مزيدٍ من انكشاف خيارات السلطة في مواجهة التحدّيات الاجتماعية الصعبة، فقد حافظت هذه السلطة، في زمن السيسي، على نهجها، البحث في جيوب المواطنين، بغرض "معاونتها" في توفير موارد للدولة، الأمر الذي يندرج فيه ابتداع الصناديق التي لا يتوقّف إشهارها من أجل دعم المشروع الفلاني لبناء هذا المستشفى المتخصص في السرطان أو إقامة شبكة تكافل للفقراء أو غير ذلك مما لا يعدم مشاهد الفضائيات المصرية مصادَفتها، سيما في غضون عروض مسلسلات الدراما في شهر رمضان. وإذا صحّ ما قاله السيسي إن "منظومة دعم رغيف الخبز تعاني، منذ فترة كبيرة، من إهدار جسيم لموارد الدولة"، فإن لسائلٍ أن يسأل عمّا إذا كانت قد جفّت القدرة على إبداع حلولٍ مبتكرةٍ من أجل الحدّ من هذا الإهدار بغير الكيفية التي تضرب في سعر الخبز الذي قد يفاجأ المواطن المصري، من ذوي الدخل المتدنّي ومن الفقراء، بما سيصير عليه بعد أيام. ولا يحتاج من يتابع أخبار أرض الكنانة إلى حصافةٍ خاصة، إذا ما أجاب عن سؤاله هذا بأن أداء السلطة في غير ملفّ لا يسوّغ ثناءً عليه أو تقديرا، وإنْ ثمّة من المشاريع في الإسكان وقطاعي الصحة والتعليم وغيرهما ما يُشار إلى نجاحٍ ظاهر فيه، غير أن الأساسي والجوهري يبقى الشأن المتصل بكرامة المواطن المصري وحقوقه والعدالة الاجتماعية التي ينشدُها، من قبيل فرص العمل واستقرار الأسعار وتحسين الدخول بما يحقّق مناعة هذا المواطن، من الطبقة الوسطى وما دونها، أمام استنزافه الذي لا يتوقّف، وهو يكابد "من أجل لقمة العيش"، فلم يعد هذا التعبير ينتسب إلى الاستعاري والمجازي، وإنما إلى الحقيقي الواقعي.
وإذا كان من المصادفات غير الطيّبة أن يأتي الرفع (المنتظر؟!) لسعر رغيف الخبز في مصر تاليا لما جرى للرغيف في سورية، البلد المُبتلى بنكبةٍ موصوفة، وفي لبنان الذي يتهدّم بفعل الفساد المتوطّن فيه وبؤس الطبقة السياسية النافذة والحاكمة، فإن للمرء أن يتطيّر مما قد تُصاب به مصر، لا سمح الله.