الخليج ... إيران أم داعش؟

23 أكتوبر 2014
+ الخط -

أيٌّ منهما ينبغي أن تُعطى له الأولوية من صنّاع القرار في دول الخليج العربية، إيران أم داعش؟ بصراحةٍ أكثر، من الأكثر مدعاةً للتوجس في عواصم دول الخليج، هذه أم تلك؟ طُرح السؤال، وبكيفياتٍ أخرى، في ورشة نقاشٍ أقامها، الأسبوع الجاري، في الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واجتهد باحثون في مقاربة مسألة داعش في الخليج، وحرص بعضهم، محقّين، على التأشير إلى تشكيلاتٍ عراقية شيعية، ترتكب فظاعاتٍ في بلادها قد لا تقل شناعةً عمّا تقترفه داعش، وهذه كان مهماً تذكير الورشة أنها، في أزيد من 90% من جرائمها في سورية، استهدفت سوريين من السنّة، ومن تشكيلات المعارضة المسلحة، وبعضها إسلامية الهوى والنزوع.
ليس بادياً أن "الدولة الإسلامية" تخطط لشيءٍ ما في أيٍّ من دول الخليج، وليس مؤكداً أن ثمة مستقبلاً منظوراً لهذه الدولة المزعومة، غير أن الذي يظهر ويختفي (كما ثعلب محمد زفزاف، في قصةٍ قصيرةٍ له) هو ما لا يُطمئن من جانب إيران التي ترى أن سوانحَ تلوحُ لها، وتيسّر لها عبوراً في غير دولةٍ في الخليج، للنفوذ والإقلاق. ولأن الأمر كذلك، بحسب بعض ما قيل في الورشة، فإن الأدعى إلى إِنعام النظر فيه، وإعمال الذهن بشأنه، وتنشيط العمل بصدده، هو ما في رأسيّ قاسم سليماني وعلي رضا زاكاني، لا ما في رأسيّ أبو بكر البغدادي وأبو محمد العدناني.
جيدٌ أن محاورات المنتدين في الورشة أضاءت على خطرٍ أفدح لدى داعش، يتجاوز تمدد تنظيمها باعتبارها "خلافة إسلامية" في بطاح سورية والعراق، إلى تمدد أفكارها في أفهام شبان خليجيين ومداركهم، فينجذبون إلى "داعش" والقتال معها، وكيفما اتفق. وإذ هذا حالٌ ليس مقصوراً على شبانٍ من منطقة الخليج، فثمة مئات (أو آلاف ربما) من تونس والمغرب، فإن للاستسلام إلى هذه القناعة سوءاتُه. ببساطةٍ، لأن إصلاحاً واسعاً ما زال مطلوباً في طرائق الوعظ والإرشاد والدرس الديني، بل، وأيضاً، في بعض مضامين هذا كله، في بلدان الخليج. والواضح أن ما تم في هذا المسار، بعد حادثة 11 سبتمبر، لم يُحدث الأثر المرجو بالمقادير الكافية، ربما بسبب غلوٍّ، مقيتٍ هو الآخر، مضت فيه تشكيلاتٌ طائفية، غير سنية، واجهت تلاوين الغلو الزرقاوية والظواهرية وغيرهما، عندما استظلت تلك التشكيلات بسلطاتٍ حاكمة ومتجبرةٍ أجهزت على مفهوم الدولة، في العراق الذي صار مؤكداً أن إيران لن تسمح بيقظته ونهوضه وصلاح أحواله، انتقاماً من سنوات حربٍ غير منسيةٍ إبّان زهو الخميني وصدام حسين بنفسيهما، وثأراً مما نعرف ولا نعرف. أما المقتلة الجارية في سورية، فقد يسّرت أرطالاً من الوجاهة لخطاب المظلومية السنية المستجدة في المشرق العربي، ولا تنفك تغذّي النزوعات المتقدة لدى شبان متدينين إلى "الجهاد" حمايةً للإسلام والمسلمين.
... لم يعد وضع منطقة الخليج كما كان، قبل هذه الطوارئ المتسارعة، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، فرياح حربٍ باردة جديدة صارت بينةً على شواطئها وفي فيافيها، والطموح الإيراني بات بلا سقوف، والتطرف استجدّت له تنويعاتٌ تتناسل من بعضها بهمةٍ سافرة. ونحسب أن داعش وإيران أولويّتان ملحّتان، هذه باعتبارها دولةً متحققة ذات تروسٍ سياسية وعسكرية ظاهرة، وتلك باعتبارها دولة إسلامية متخيلةً تُغوي شباناً تائهين في بحثهم عن مرضاة الله، فيقعون بما يُغضبه، جلت قدرته. ويمكن القول، وإنْ ببعض الحذر (الأكاديمي؟)، إنّ الدعةَ الظاهرة، أَدامها الله على كل أهل الخليج، ومعها الرفاه الاستهلاكي، محضُ تفصيليْن مُعايَنيْن بيسر، غير أنَّ ثمة ما قد يطرأ، فيجعل للصورة في المرآة حوافَّ أُخرى. هل من يسأل، مثلاً، عن الخلل غير الهين في التركيبة السكانية؟ ولماذا لا يُضاف همّاً مقلقاً آخر، مع إيران وداعش؟
  

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.