الذات الحيوانية في السيكولوجيا الإنسانية
هناك أفعال غرائزية مشتركة بين الإنسان والحيوان كثيرة، وهذا أمر طبيعي بالتأكيد، فليس هناك خلافٌ على أنّ الانسان هو حيوان من فصيلة الثدييات. يقول المفكّرون إنّ ما يميزه عن باقي أبناء فصيلته هو العقل، ويقول بعضهم إنّه حيوانٌ ناطقٌ، أي أنّ ما يميزه هو النطق، وبعض آخر، وهؤلاء جماعة الكاريكاتير والكوميديا، يؤكدون أنّ الإنسان حيوان ضاحك، أي أنّ ما يميزه عن باقي الثدييات قدرته على الضحك. ويمكن عند البحث اكتشاف ميزات أخرى كثيرة تميز الإنسان عن إخوته في الطبيعة. والحقيقة أنّ كلّ هذه الأشياء مجتمعة هي ما يميز الإنسان عن الحيوان. وفي المقابل، هناك مواصفات بهيمية كثيرة تجمع الإنسان بالحيوان، غير أنّ الفرق الوحيد بينهما في ممارستها أنّ الحيوان يمارسها بدافع غريزي يحافظ فيه على بقائه. أما الإنسان فيمارسها كنوع من المتعة، ومن هذه السلوكات البهيمية التعذيب الذي يمارسه الحيوان مع حيوان آخر من نوع مختلف من الثدييات، بدافع الجوع، وبهدف الحصول على الطعام، فهو يمزّق فريسته من أجل تسهيل مهمة أكلها، وحين يكون شبعاً، يراقب الحيوانات الأخرى بنوع من الحيادية. وحتى الحيوانات الأخرى حين يراودها الشعور بأنّ هذا اللاحم الخطر يشعر بالشبع فإنّها ترعى الكلأ على مقربةٍ منه باطمئنان.
أما الإنسان فإنّ ما يميز بهيميته عن بهيمية الحيوان أنّها ليست مرتبطة إطلاقاً بغريزة هدفها الحفاظ على البقاء، وإنّما هي بهيمية مكتسبة، لها أسبابها البعيدة عن الغريزة، فقد أنتجت البشرية آلياتٍ كثيرة، تجعل الإنسان يمارس غريزته بسلام، فهو ليس في حاجةٍ لملاحقة دجاجةٍ في الغابة لكي ينتف ريشها وينهشها، فقد وفّرت له الحضارة إمكانية الذهاب إلى الدكان، لشراء ما يريد، من دون حتى أن يضطر لمشاهدة عملية تحويل الكائنات الأخرى إلى طعام له. إذا فهو يستطيع أن يمارس حياته بشكل طبيعي، ويشبع جميع غرائزه، من دون أن يضطرّ لممارسة العمليات التي تؤذي مشاعره. والميزة الثانية أنّ هذا السلوك (التعذيب) تمارسه جميع الحيوانات اللاحمة من دون استثناء، كونه كما سبق القول، فعلاً غريزياً هدفه الحفاظ على البقاء.
أما أصحاب هذا السلوك البهيمي من البشر فهم فئة محدودة، قسم منها أسبابه مرضية، وهذا يمكن علاجه. أما القسم الأهم فهو الذي يعتبر التعذيب اختصاصه في الحياة، وهو ما يطلق عليه الجلاد الذي يؤدّي هذه المهمة، في غالب الأحيان، لقاء أجر وعلى شكل تنفيذ أوامر من دون أن يكون لديه أيّ فكرة عما يعذّب ضحيته لأجله. ومهمته على سبيل المثال تكون تعذيب الضحية حتى يصبح جاهزاً للاعتراف، وتمهيد الطريق للوصول إلى نتيجةٍ لا يمكن الوصول إليها بالحوار والاستنطاق، وعندها يقدّمه للمحقق على طبق من ذهب، حيث يكون جاهزاً للتوقيع على التهمة المطلوب الاعتراف بها. يحدُث هذا في الدول المتحضرة أحياناً، حيث تمارس عمليات التعذيب سرّاً من أجل كسر إرادة الضحية، والحصول على معلومة ما منها تحت الضغط. لكن في حال تسرّبت معلوماتٌ عن ممارسة التعذيب إلى الإعلام، فسيشكّل ذلك فضيحةً مدوية، وتهوي بسببها رؤوس. أما عندنا فالتعذيب سياسة رسمية لا تخفيها السلطة عن الرأي العام، ولا تخشى أن يتأثر بها سلباً، لا بل قد يكون التعذيب مصدراً للفكاهة. ولا أدلّ على ذلك من "المساعد جميل" بطل برنامج حكم العدالة الذي يهدّد به "الرائد هشام" حين يشعر أنّ لدى المتهم نية بالإنكار أو عدم الاعتراف، إذ يهدده بشكل مباشر: "بتحب إبعتك لعند المساعد جميل؟ أو يا ابني خده لعند المساعد جميل". و"المساعد جميل" هذا معروفٌ بأنّه الجلاد الذي يجهز المتهمين للاعتراف أمام "الرائد هشام" بما يريده. وإذا كان الاعتراف سيد الأدلة، بحسب المقولة القانونية المشهورة، فإنّه في مضارب "المساعد جميل" ليس سيد الأدلة أبدا، لأنّ الاعتراف، في معظم الأحيان، يكون طريقاً إلى الخلاص. وبناء عليه، يمكن أن يُعتبر، في أحيان كثيرة، دليل براءة.