السعال تحت طائلة الحجر
إذا سوّلت لك نفسُك أن تسعُل أو تعطس في مكان عام، فسوف تلاحظ، على الفور، نظرات الرعب والريبة من جميع المحيطين. سيضعونك على الفور في دائرة الشبهة، ويهرُبون من أمامك كما لو كنت مصابا بالجُذام. سوف يكون من الصعب عليك أن تشرح لرواد المكان كلهم أنك خضعت لفحص كورونا، وأن اسمك موجود ضمن قوائم الحاصلين على الجرعات الثلاث، وأن ما تعاني منه مجرد نزلة برد عادية، نزلة بلدية أصلية لطيفة نُصاب بها عادة في موسم الشتاء، من تلك التي تزول بعد أسبوع من العلاج أو بعد سبعة أيام من دون علاج! ولم يعد معترَفا بها في ظل هيمنة كورونا وتجلياتها. ستجد أن حضورك غير مرغوب به في أي تجمع، سيطلُب منك ربّ العمل أن لا تريه سحنتك، حتى لو أشهرت في وجهه نتيجة فحص كورونا السلبية.
سوف يتحاشى الأصدقاء لقاءك، ويكتفون برسائل مجاملة لا تخلو من نصائح لوصفاتٍ شعبيةٍ مجرّبة، يحثونك أن تكثر من الليمون والزنجبيل ومنقوع البقدونس ورأس بصل نيء. قد ينفعل أحدهم، ويُحضر لك الشوربة الساخنة، يضعها على باب بيتك ويفرّ هاربا مرتاح الضمير. تشكرهم على اهتمامهم، وتلوذ ببيتك منفذا، من دون نقاش، عقوبة الإقامة الجبرية. قد تضع منشورا على صفحتك تشكو لأصدقائك الافتراضيين معاناتك مع الإنفلونزا، فتُفرحك أمنيات الشفاء التي تنهال عليك، وتشعر بأنك لست وحيدا بالمطلق، غير أن الملل سرعان ما يتسلّل إلى نفسك.
تنشغل بآخر مستجدّات الحرب الأوكرانية الروسية. يُرعبك ما يحدث للمدنيين من قتل وتشريد، يُغضبك نفاق الغرب وازدواجية معاييره في التعاطي مع قضايا اللجوء الأشقر. تستفزّك تعليقاتٌ مبتذلة يطلقها أفراد مبتذلون عن جمال اللاجئات الأوكرانيات "اللواتي يفتحن النفس"، بحسب شخص منحط إنسانيا وأخلاقيا. يعجبك تصريحٌ لسياسي بارز من بلادك، وهو يؤكّد أننا طوينا صفحة كورونا. ويستعير مقولة ناظم حكمت إن القادم أجمل في وقت تزيد نسبة البطالة، وترتفع أسعار معظم السلع الغذائية استعدادا لقدوم الشهر الفضيل. تسيطر عليك كآبة مصاحبة للإنفلونزا، تتيقن أن لا سبيل للخلاص منها سوى الانغماس في مسلسلٍ لا تقل حلقاته عن الثلاثين. تختار من تطبيق "شاهد" مسلسل "وردة شامية" الذي يشارك فيه نجوم كثيرون من الدراما السورية. تكتشف أن العمل مسروقٌ بالكامل من قصة "ريا وسكينة"، ولكن بنكهة وتفاصيل شامية كفيلة بشدّ المشاهد المأخوذ بأجواء الحارة والبيت الدمشقي العتيق وأجواء الحريم المتوارية الغامضة. ورغم أن الفكرة مستهلكة ومكرّرة ومبتذلة، إلا أنك تصمّم أن تُكمل مشاهدة العمل غير المدهش، كي تخدّر حواسك وتتحايل على الوقت الذي يمرّ بطيئا ثقيلا، وأنت ممنوعٌ من الالتحاق بالحياة قبل حصولك على براءة ذمة من كورونا. لن يصدّقوك مهما أبرزت لهم من وثائق صادرة عن وزارة الصحة، ستظل بالنسبة للمجموع مشموسا بتهمة كورونا، حتى لو بدأت الإنفلونزا تُغادرك. لن يكون بإمكانك سوى التحمّل والصبر والانتظار، حتى تلاشي كل مظاهر المرض، لأنك سوف تعود غير مأسوفٍ عليك إلى المربع الأول عند أول عطسةٍ منفلتةٍ من شأنها لفظك خارج دائرة الاطمئنان من جديد. لن تجد عند ذلك مفرّا من مواجهة سأمك سوى بجلد ذاتك ثانيةً بأخبار الحروب وتصريحات السياسيين وتحليلات الخبراء ومتابعة أحداث المسلسلات تافهة المضمون، خالية الابتكار المعتاشة على سرقة أفكار الآخرين!