الشماتة بحزب الله في عارٍ نتشاركه

20 سبتمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

كما هو متوقّع، انقسم المعلّقون العرب بشأن الموقف من تفجير آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكية في لبنان، يومَي الثلاثاء والأربعاء الماضيَين، وقُتِل فيها أكثر من 32 شخصاً، وأصيب أكثر من 3250. مردُّ هذا أنّ المُستهدَف بالهجمات هو حزب الله ونشطاؤه. ورغم أنّ المجرم هي إسرائيل، التي ترتكب حرب إبادة متوحّشة في قطاع غزّة، وأنّ الهجوم على حزب الله يأتي عقاباً له على إسناده المقاومة الفلسطينية، إلّا أنّ ذلك لم يشفع له عند كثيرين، على الأقلّ تعاطفاً مع ضحاياه (كثير منهم مدنيون)، ذلك أنّ نسبةً وازنةً من المزاج الشعبي العربي غير قادرة على أن تغفر جرائم الحزب في سورية. وبغضّ النظر عن الآراء المختلفة هنا والجدل بشأن ماهيّة الأولويات وضرورات الاتحاد في جبهة التصدّي للعدوان الإسرائيلي، المدعوم أميركياً، ومن بعض دول الغرب على الشعب الفلسطيني، ودول عربية أخرى في المنطقة، بما في ذلك سورية نفسها، فإنّ ثمَّة مسألة مهمّة لا ينبغي أن تغيب في أتون الضجيج والصراخ، ويتعلّق الأمر بالسخافة التي يختزنها بعض منطق الشامتين بحزب الله.

يقول هؤلاء كيف يمكن للحزب، الذي يخوض منذ عقود معركةً استخباراتيةً إلى جانب العسكرية مع إسرائيل، أن يكون بهذا المستوى من الانكشاف، سواء لناحية تصفية بعضٍ من قادته في لبنان وسورية، أو لناحية اختراق منظومة اتصالات نشطائه؟ ... سؤال مشروع، ويقرّ حزب الله نفسه بذلك، ويعمل على معالجة الثغرات الهائلة التي عَرَّتْها الأشهر الأحد عشر الماضية. لكن، عندما يتحوّل السؤال تعابطاً عبر القفز على الحقائق بهدف تسويغ الشماتة، حينها يكون الأمر قد دخل دائرةَ السخافة والهبل. مسألة تقدّم إسرائيل التقني والتكنولوجي وتفوّقها العسكري ليست محلّ نقاش، لا من إيران ولا من حزب الله، ولا من حركة حماس أو "الجهاد الإسلامي"، ولا حتّى من أيّ دولة عربية أو غير عربية في المنطقة. هذه قضية محسومة لا يجادل فيها إلّا أحمق أو مُغيَّبٌ عن الواقع. تختزن إسرائيل خلاصةَ التفوّق النوعي الأميركي والأوروبي من جهة أنظمة التسلّح والإمكانات التكنولوجية والقدرات الاستخباراتية والسيبرانية والتجسّسية، وهي جزء من منظومةٍ دوليةٍ واسعةٍ ذات إمكاناتٍ هائلةٍ ليس لها ندٌّ عالميٌّ بعد. بمعنى، أنّ من يحارب إسرائيل أو يقاومها يكون في مواجهةٍ مع مشروع إمبريالي غربي وحلفاء آخرين له. هذا لا يعني أنّ إسرائيل عصيةٌ على الانكسار في معارك ومحطّات هنا وهناك، ولكن إلحاق هزيمة ساحقة بها ليس خياراً قائماً.

مسألة تقدّم إسرائيل التقني والتكنولوجي وتفوّقها العسكري ليست محلّ نقاش، لا من إيران ولا من حزب الله، ولا من حركة حماس أو "الجهاد الإسلامي"

يتغافل الشامتون أنّ جهاز الهاتف أو الكمبيوتر الذي يبثّون من خلاله شماتاتهم هما صناعة الدول التي عبرها تمكّنت إسرائيل من اختراق شبكات اتّصال حزب الله وتلغيمها. ينسحب الأمر نفسه على المحطّات الإعلامية التي قد تكون كاميراتها وميكروفوناتها، وغير ذلك من أجهزتها، هي نفسها مُلغَّمة ومفخخة. ولا يقف الحدّ عند ذلك، فأجهزة الهواتف الخلوية التي نحملها جميعاً، والتلفزيونات والثلّاجات الذكية... إلخ، في غالبها صناعة من يستهدفوننا. وما الذي يضمن، أنّ أجهزةَ الاتصال في الدول العربية، والسيّارات فيها، بما في ذلك التي يستعملها كبار المسؤولين، وكذلك الطائرات المدنية، ليست مُخترَقةً وقابلةً للسيطرة عليها من بعد؟ حتّى الأسلحة المُتقدّمة، مثل الطائرات الحربية، كيف لنا أن نضمن أنّ من صنّعها وباعها لنا غير قادر على تعطيلها أو حتّى تدميرها وتفجيرها عبر برامج خبيثة مزروعة فيها؟

إذاً، لا يتعلّق الأمر بحزب الله فقط، بقدر ما أنّ انكشافه بان لنا لأنّه في دائرة استهداف إسرائيل، ولأنّه يعتمد على استيراد أنظمة اتصالات وأسلحة مُتقدّمة، في حين لا تملك المقاومة الفلسطينية هذه الميزة، أو قل ثغرة من المستوى نفسه، من دون أن يعني ذلك أنّها لم تُخترَق مرّات ومرّات هي الأخرى، وفي أحيانٍ كثيرة، بسبب استخدامها التكنولوجيا. هذا يضعنا قبالة حقيقة صارخة وقاسية. نحن العرب والمسلمين لا نصنع أغلب سلاحنا، ونعتمد في أغلب احتياجاتنا التكنولوجية على غيرنا، سواء في الولايات المتّحدة وأوروبا، أو في الصين وتايوان وكوريا الجنوبية.

نحن أمّة، في مجملها، لا تصنع سلاحها ولا تطوّر تكنولوجيا خاصّة بها

يكفي أن نُذكِّر هنا بمعاناة تركيا وإيران في توفير منظومات دفاع جوّي فعّالة جرّاء العقوبات الغربية عليهما، فضلاً عن معاناة تركيا في تحديث أسطولها الجوّي العسكري بسبب رفض الولايات المتّحدة بيعها طائرات إف 35 أو إعطاءها قطع الغيار اللازمة لتحديث طائرات إف 16 التي تملكها. ذات الأمر ينطبق على إيران المحظور عليها شراء طائرات حربية مقاتلة متقدّمة من الغرب، في حين لا تُقدّم لها روسيا كذلك ما تحتاجه من مقاتلات مُتقدّمة. بالمناسبة، وضع تركيا وإيران أفضل مرّات من الدول العربية قاطبة، إذ إنّهما تصنعان كثيراً من سلاحهما. أمّا الدول العربية فهي مُجرَّد عالة تتفاخر بذلك، وتصرف عشرات المليارات من الدولارات سنوياً على أسلحةٍ يمكن أن يُحوّلها مُصنِّعوها قطعَ خردةً أو ألغاماً مُتفجِّرة.

لنكن صريحين، نحن أمّة، في مجملها، لا تصنع سلاحها ولا تطوّر تكنولوجيا خاصّة بها، وكثير منها لم تعد حتّى تزرع، وبالتالي، لا تنتج طعامها ولا تخيط لباسها. وبعد ذلك، ينشغل بعضنا بتعيير بعضنا الآخر لانكشافه وقابليته للاختراق، في حين إنّنا كلّنا مكشوفون ومُخترَقون، والأدهى أنّنا عاجزون أن نُدرِك أنّنا كلّنا في مركب واحد مطلوب إغراقه، في حين نتصارع نحن فيه على من يتسلّم دفَّةَ القيادة نحو المجهول، أو نحو القاع.