الفلسطينية روعة لا عورة
قبل عشر سنوات، دعاني صديق لمعاينة سيارة "فورمولا 1" فلسطينية، وصلت إلى بريطانيا للمشاركة في مسابقةٍ لاختراعات الطلاب في جامعات العالم، صمّمها ونفّذها شبّانٌ وشابات من "مركز خان يونس المهني"، حملوها إلى بريطانيا للمشاركة في منافسةٍ عالميةٍ جنباً إلى جنب، وعلى الأصح، عقلاً إلى عقل مع نخبة طلاب الهندسة الميكانيكية في كبريات الجامعات والمعاهد العالمية. لبّيت دعوة الصديق بحماسة، وتوجهت من لندن إلى نورثهامتون (حوالي 50 ميلاً) شمال بريطانيا، لأقابل شباناً وشاباتٍ خرجوا من حصار غزة، ليبرهنوا للعالم بأن حصار الأرض ممكن، حصار البشر ممكن، لكن حصار العقول يستحيل على الطغاة. رأيت سيارة "فورمولا 1 فلسطين" صنعها شبان وشابات من حي الأمل، غرب مدينة خان يونس، اجتازت الحواجز العدوة والعقبات الصديقة، للمشاركة في مسابقةٍ عالميةٍ تتنافس فيها سيارات أخرى صُمّمت وصُنعت في مختبرات أعرق الجامعات الأميركية والألمانية والفرنسية والهولندية. كانت سيارات طلاب جامعات "العالم الأول" تلمع بقطع محرّكاتها الجديدة، وتتباهى بما بُذل فيها من المال والخبرة، بينما السيارة الفلسطينية الممهورة بالعلم الفلسطيني، وعبارة "صنع في غزة – فلسطين" تكشف بفخر عن بطن محرّكها المصنوع من مواسير الماء وبرابيش الغاز وقطع خردة جمعها المخترعون من أزقة القطاع. قال أحد الشبان الغزّيين بفخر "من خردة غزة صنعنا سيارة تنافس سيارات موّلتها أكبر الشركات العالمية، وأشرفت على مراحل تصميمها وإنتاجها أمهر الطاقات الأكاديمية العالمية".
تذكّرت قصة مخترعي "سيارة فورمولا 1" الفلسطينية خلال القراءة عن المهندس الفلسطيني لؤي البسيوني، ابن مدينة بيت حانون، شمال قطاع غزة، ودوره في إرسال وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) مركبة "برسيفرانس" بنجاح إلى كوكب المريخ. شارك الغزّي لؤي ضمن فريق من خارج "ناسا" عمل على تصميم وبناء طائرة الهليكوبتر المسيّرة "براعة"، وإضافتها إلى مركبة "المُثابرة" التي هبطت على سطح المرّيخ. أما زميلته المهندسة الغزاوية سها القيشاوي، كبيرة المهندسين البرمجيين في البرنامج الفضائي الأميركي "أورايون"، فتُشرف من داخل "ناسا" مباشرةً على تأمين إيصال روّاد الفضاء إلى المريخ. خرجت سها من رحم المعاناة الفلسطينيّة، من قطاع غزّة المُحاصر، لتصل إلى أعلى المناصب في أهّم البرامج الفضائيّة الأميركيّة. وعلى صفحة "ناسا" باللغة العربيّة في موقع التواصل الاجتماعيّ، فيسبوك، نُشرت قصّة الشابّة الفلسطينيّة، وجاء فيها: الشابّة من غزة في فلسطين تقول: "نصيحتي للفتـيات الشابات حـول العالم: امتلكي دومًا حُلمًا كبيرًا، واعملي بشكلٍ قاسٍ من أجـل أنْ تجعلي من حلمك حقيقة. حلمي أنا أصبح كذلك".
بعيداً عن المرّيخ، وعلى مسافة قريبة من مقر "ناسا" في العاصمة واشنطن، اختار الرئيس الأميركي جو بايدن ريما دودين، فلسطينية الأصول، ضمن فريقه الرئاسي الجديد، مديرة لمكتب الشؤون التشريعية فى البيت الأبيض. وبالتزامن مع ذلك، وصلت الفلسطينيتان إيمان جودة وأثينا سلمان إلى الكونغرس الأميركي، والتحقتا بالنائبة الفلسطينية رشيدة طليب، التي احتفظت بمقعد ولاية ميشيغان، للمرة الثانية على التوالي.
بقدر ما يُدهشك كل هذا التألق للمرأة الفلسطينية الواصل من الأرض إلى المريخ، وبقدر ما تُبهرك روعة فلسطينيات يصنعن "من جزمةٍ أفقَا"، بتعيبر الراحل محمود درويش، في رائعة "مديح الظل العالي"، يُحبطك ما يجري على "كوكب غزة" عندما يتحفنا "مجلس القضاء الشرعي الأعلى"، التابع لحركة حماس الفلسطينية، بتعميم أصدره الأسبوع المنصرم يمنع في المادة الرابعة منه "سفر الأنثى غير المتزوجة بكراً أو ثيباً دون الحصول على إذن وليها العاصب، ولوليها أن يمنعها من السفر إذا كان في سفرها ضرر محض أو وجدت دعوى قضائية بينهما تستلزم المنع من السفر". وكأنه يليق بفتاة غزّية قيادة فريق هندسي في وكالة الفضاء الأميركية، ويجدر بفلسطينية أخرى الجلوس في الكونغرس لسن تشريعاتٍ تنظم حياة الأميركيين، وتستحق فلسطينية منصباً رفيعاً في إدارة جو بايدن، بينما الفلسطينية غير جديرة بالسفر من دون إذن وليها، بوصفها، حسب مشايخ "حماس"، عورة لا تسترها إلا عباءة ولي عاصب.