القاصف والمقصوف وتلك المنطقة
الأردن يقصف أهدافاً في سورية. تركيا وإيران كلاهما تقصفان داخل العراق وسورية. القصف الروسي لسورية لم يعد خبراً لكثرة ما يتكرر منذ 2016. باكستان تنضم إلى بنك أهداف إيران كبدل عن ضائع اسمُه إسرائيل، فتردّ إسلام أباد باستهداف مناطق في "الجمهورية الإسلامية". أميركا تقصف في العراق وفي سورية واليمن. إسرائيل تقصف سورية منذ سنوات وتفجر أهدافاً داخل إيران. كذلك هي تضرب لبنان منذ أربعة أشهر، وهناك في لبنان من يقصف إسرائيل التي يبدو القصف وصفاً هزيلاً لما ترتكبه في غزّة والضفة الغربية.
هذا سردٌ موجز لحال "المنطقة" اليوم. و"المنطقة" كأنها صارت تسمية خاصة بالبلدان الشرقية المطلة على البحر المتوسط غرباً، وصولاً إلى أطراف إيران شرقاً مع تمدّد لا يتوقف شمالاً وجنوباً. حتى ولو قلت "المنطقة" بأي لغة في سياق كلام عن حروب ومصائب، أغلب الظن أن يذهب عقل المستمع إلى بلدان منطقتنا إياها. كلمة "الإقليم" فضفاضة. تسميتا الشرق الأوسط والأدنى إشكاليتان على اعتبار أنهما مصطلحان سياسيان لا جغرافيان لمساحات تتوسع أو تنحسر حسب زاوية الخبر وتحليله وسياقه والهدف الكامن عند راوي الحدث أو فاعله. الشرق الأوسط أحياناً يصل إلى أفغانستان مثلاً حين كان يُراد تصوير مقاومة السوفييت أو الأميركيين هناك جزءاً من جهاد عالمي مولود في بلدان العرب بالدرجة الأولى. حيناً آخر يشمل العراق وبلدان الخليج العربي. قبرص تصبح من الشرق الأوسط في الحديث عن تقسيم الجزيرة على أساس ديني ــ قومي ودور تركيا في أزمتها، أو عندما تعلو صرخات القبارصة هذه الأيام ضد السماح للبريطانيين باستخدام قواعدهم العسكرية في أكروتيري ودكليا لقصف الحوثيين في اليمن. اليمن أيضاً يُضم أحياناً إلى الشرق الأوسط رغم بعده الجغرافي وصلة قرابته بالقرن الأفريقي أكثر من ارتباطه الجغرافي ببلاد الشام ومحيطها. إسرائيل تقع في قلب الشرق الأوسط رغم اعتراضات رافضي مصطلح الشرق الأوسط ووجود تلك الدولة، فيضعونها بين مزدوجين في كل مرة يضطرّون إلى ذكرها، وكأنه يمكن أن تحارب أو أن تقاوم وأن تواجه دولة غير موجودة. "المنطقة"، لكثرة ما هي حمّالة أزمات وحروب وكوارث، صارت مرادفاً لبلداننا، تماماً مثلما أن كلمة "الحزب" في لبنان باتت تعني تلقائياً حزب الله، الحزب الوحيد والمطلق والفاعل للغاية، ويا للصدفة، في "المنطقة" ومآسيها وخرابها. زعماء حزب سيصبح عمره قرن كامل في غضون بضعة أشهر، أي الحزب الشيوعي اللبناني، لا يخجلون من استخدام مصطلح "الحزب" عندما يقصدون وكيل إيران في لبنان لا حزبهم هم، وكأنهم كانوا يتمنون أن يكون جيش حسن نصر الله ودولته، حزبهم.
والحال أن في "المنطقة" اليوم عشرة بلدان تَقصف وتُقصف. خمسة من أعضاء نادي المقصوفين دول عربية إما محكومة من إيران فعلياً، أو أن لطهران حلفاء موثوقين فيها. حتى في حالة البلد العربي السادس الذي يَقصُف هذه الأيام من دون أن يُقصف، أي الأردن، تجد أيادي إيران طويلة في سبب إقدامه على القصف، جنباً إلى جنب مع التواطؤ العربي المديد، وعمّان طليعية فيه، دعماً لنظام بشار الأسد ومداً ليد العون له، فيأتي الشكر تدفقاً لمخدرات بالأطنان من عصابات النظام. ومن يقول النظام السوري والكبتاغون، يقول بالضرورة إيران وحزبها الإلهي إلى حين حسم السباق الروسي ــ الإيراني على لقب الأقوى في سورية المقسمة ما بين أربع سلطات. أربعة بلدان عربية تُقصف إذاً، لبنان والعراق وسورية واليمن، بينما الخامس، فلسطين يُباد، ولبنان مرشح لمصير مشابه. لكن لا داعي للهلع، فإيران لن تترك أولادها يهلكون، يطمئننا وكلاؤها. لا داعي لكي يقنعوننا بنظريتهم، فالشاهد أقوى من الكلام: إيران تتهم الموساد بتفجير جوار قبر قاسم سليماني في كرمان، فيدور المدفع 180 درجة ويقصف باكستان وكردستان العراق بدل إسرائيل.
صدق من قال إن حلّ القضية الفلسطينية يحقق إنجازين هائلين: إنهاء تصفية جماعية لشعب ولبلد ولتاريخ وأرض وحقوق، ثم وقف استغلال قضية بهذا النبل من قبل نظام المتاجرة بالدم وبالقضايا.