07 نوفمبر 2024
الكوليرا في اليمن.. شخصية 2018
كل الاحترام للزملاء الصحافيين، ممن اجتهدوا في تعيين شخصية العام 2018. ومع التسليم المؤكّد بما فيها من وجاهةٍ مستحقةٍ، بادرةُ مجلة التايم، اختيار الزميل المغدور، جمال خاشقجي، شخصية العام، ومع الازدراء الواجب لشخص جورج قرداحي، عندما اختار بشار الأسد للقب، فإن صاحب هذه السطور يجد وباء الكوليرا، بعبوره الموجة الثالثة في اليمن قبل شهور، يستحقّ أن يترشّح باقتدار ليكون شخصية العام، على أن يتم التأكيد أنه وباءٌ يُحرز انتصاراتِه في البلد المنكوب في غضون جريمةٍ ضد الإنسانية، كما أحسنت وصفَها "نيويورك تايمز"، تقترفها القنابل والقذائف التي تواصل العربية السعودية والإمارات رميَها على طرق ومدارس ومستشفيات وتجمعات وحفلات أعراس، وعلى حواري وميادين وأسواق وشوارع، في جغرافيا الجحيم اليمني المستمر منذ أزيد من ثلاث سنوات.
وحده الفزع، أو الرعب على الأصح، قد يتفشّى فيك، وأنت تسمع، في الشهر الأخير من العام الأتعس في اليمن، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، يحيط مجلس الأمن بأن ما يحدُث في هذا البلد أكبر كارثةٍ إنسانيةٍ منذ الحرب العالمية الثانية. يقول إن أكثر من عشرين مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم عشرة ملايين يعانون الحادّ منه. ويخبرنا أن هذا البلد العربي ينحدر إلى المجاعة حتما، ومستواها الحادث حاليا هو في مرتبةٍ تصنّفها الأمم المتحدة كارثيةً. وبلغةٍ رسوليةٍ، يوضح المسؤول الأممي إن أول تدابير إنقاذ اليمنيين من هذه المأساة هو وقف الأعمال العدائية بين الأطراف النشطة في الحرب.
أما حديث الكوليرا فيبدو تفصيلا قدّامك، وأنت تبحلقُ جَزِعا في الأرقام الصادمة عن هذه الجائحة التي من أعراضها أن 11 مليون يمني في حاجةٍ ملحّةٍ جدا للمساعدة لبقائهم أحياء. وهذا من بين لائحة أسبابٍ وفيرةٍ تجعل انتصارات الكوليرا المظفّرة تتسع، إذ يتحدّث الخبراء العارفون عن سوء التغذية وتردّي الأوضاع الإنسانية، ويقولون إن هذا الوباء المقيت (هل من وباءٍ غير مقيت؟) يُحرز ويلاتِه أكثر وأكثر في المناطق التي تعرف أشرس جولات القتال، سيما وأن القنابل والقذائف العمياء تضرب المستشفيات التي تغالبُ ضعفا مهولا في إمكاناتها وخدماتها، عندما يرميها الطرفان المتحاربان، كيفما اتفق، من دون أدنى إحساسٍ بأي مسؤوليةٍ أخلاقية. وفي التفاصيل أن منظمة الصحة العالمية أذاعت أن اليمن دلف إلى الموجة الثالثة من انتشار الكوليرا بعد شهر إبريل/ نيسان الماضي، وتحدّثت عن مليون إصابةٍ وأكثر من ألفي قتيل، وأوضحت أن تفشّي الوباء هناك هو الأكبر في العصر الحديث، وقالت إن 7.6 ملايين يمني يعيشون في مناطق يزداد فيها خطر انتقال العدوى بالإصابة بالكوليرا.
ليس في وُسع المعلق الصحافي أن يرتدي ثوب العالم الخبير في شؤون الكوليرا، وفداحة ما تفعله بدعمٍ موصولٍ من دولتين عربيتين تنهضان بهمّةٍ دؤوبةٍ في بعثرة اليمن وتمزيعه، وكذلك من مجموعةٍ متمرّدة تمكّنت، بفعل غرائز الثأر والانتقام وشهوة السلطة على الحطام، من الاستئثار بحكم اليمنيين، وأخذهم إلى حرائق الهاوية، وأيضا من مجموعةٍ يُخلع عليها صفة الشرعية، كان جديدا على مداركنا أنها تتهم ناسا منها بالفساد، وتُحيلهم إلى المحاكمة، كما فعلت في العام المنصرف، برئيس الحكومة المقال أحمد بن دغر. وفي الأثناء، ينشط وباء الكوليرا (ومعه الدفتيريا) فيحوز، أسبوعا بعد أسبوع، مساحاتٍ مضافةً في مناطق توزّعه، وكأنه يعمل على المساواة بين اليمنيين، أنّى كانوا في بلدهم، في معايشتهم له.
تنازع الإماراتيون، الطامعون باليمن كله، مع حلفائهم السعوديين، في المهرة، وتناوَشوا في سقطرى، في وقائع عبثٍ لم تتوقف في العام الذي لا يبدو أن اليمنيين يغادرونه إلى عامٍ أفضل، وإنْ جالَس فيه ممثلون عن المتحاربين بعضُهم بعضا في عاصمة السويد، ثم خافوا من السلام والأمن والأمان، فتفاهموا جزئيا بشأن الحُديدة وموانئها، وبشأن أسرى لديهما. أما الكوليرا وباءً نافذا، ومسؤوليتهما، ومسؤولية حاكمين في أبوظبي والرياض وطهران، عن انتصاراتِه التي يستحقّ بها ترشيحه شخصية 2018، فلم يكن لها مطرحٌ في أحاديثهما.