المرزوقي وجيمس جويس وآخرون

10 أكتوبر 2014

تمثال لجيمس جويس في دبلن (Getty)

+ الخط -

يسأل الزميلان، بشير البكر وصلاح الدين الجورشي، الرئيس التونسي، (المؤقت)، المنصف المرزوقي، في مقابلة "العربي الجديد" معه (18 سبتمبر/أيلول)، عن قراءاته، فيجيب بأنه يقرأ رواية جيمس جويس "يوليسيس"، ("عوليس" عربياً). ولمّا كانت هذه الرواية عويصة جداً، وتقترب من ألف صفحة، وغير شائقة، وربما لم يفتئت عليها من قالوا إنها مملة، ولمّا حُسبت مفرطةً في التجريبية، إذ تدور أَحداثها في ثماني عشرة ساعة فقط، ولمّا أمضى كاتبها سبعة عشر عاماً في إنجازها، ويكاد قراؤها يقتصرون على الأكاديميين في الأدب الإنجليزي، فإن هذه المزايا، غير الحميدة في ظني، لـ"عوليس" التي صدرت قبل أزيد من تسعين عاماً، تجعل السؤال وجيهاً عن سبب توريط المرزوقي نفسه في قراءتها، فيما تونس تعبر مرحلةً انتقالية، تنعطفُ فيها من حالٍ إلى حال، يخوض فخامته، في أتونها، منافسةً انتخابيةً صعبةً على الرئاسة. مما يعني أن عنتاً في قراءة روايةٍ معقدة كان في الوسع تأجيله، لا سيما وأن جيمس جويس رحل قبل عقود، فلن يعتبَ على الرئيس التونسي لو انصرف عن "عوليس" الآن، وآثر عليها روايةً أخفَّ ظلاً، وأبهج للسريرة.
نعرف الرئيس المرزوقي حقوقياً لامعاً، وكاتباً، لا تزيّد في القول إنه "مثقف عضوي" حقيقي. وربما يُعينه اختصاصه طبيبَ أعصاب على قراءة روايةٍ مركّبة، يتداخل فيها الحلم بالخيال بالواقع، كما "عوليس" التي اكتفيت، مرةً، بمطالعة صفحاتٍ أولى قليلة منها، لرفع العتب. ولمّا علمت أن مترجمها (الأول) إلى العربية، طه محمود طه، أنفق عشرين عاماً في ترجمتها، تضاعفت لدي أسباب عزوفي عن "محاولة" قراءتها. وإذا كان المرزوقي يصرفُ وقتاً في قراءة "عوليس"، وهو في غضون معركة انتخابية ساخنة، فماذا كان يقرأ، إذن، قبل أن يقيم في قصر قرطاج؟
كأن ثمة وجوهاً أخرى للسمت الاستثنائي الذي تتصف به تونس، في التمرين الديمقراطي الواعد الذي يزاوله ناسها الآن، منها أن الرئيس يقرأ الرواية، وأي رواية!، ما يضطرنا إلى استدعاء سير رؤساء عرب، سابقين ومخلوعين، بلغوا الحكم من رتبٍ عسكرية كانوا فيها. ولأنهم كذلك، عذرهم واجب إن لم يكترثوا بجيمس جويس وغيره، ولأنهم ما أرادوا الرئاسة، إلا ليواصلوا ذودهم عن حياض أوطانهم. ولكن، نفتّش عن مأثرةٍ عسكريةٍ لأيٍّ منهم، فلا نقع إلا على الضربة الجوية إياها، والتي تحسب، للحق، للواء حسني مبارك، في حرب أكتوبر، وإن بولغ بشأنها لاحقاً، غير أن الرجل كان "شخصيةً مسليةً وغير مثقفة"، بحسب تقرير بريطاني طلبته مارجريت تاتشر، قبل أن تستقبل مبارك مبعوثاً من أنور السادات (كان نائبه). ولم يحدث أن أتى مدّاحون له على قراءاته، وإنْ، في البال، أن حديثاً جرى أمامه عن كتاب محمد حسنين هيكل عن جاسوسية مصطفى أمين، بعد عقدٍ من صدوره، فطلب نسخة منه (هل قرأه؟). أما اليوزباشي أنور السادات، فقد كتب مسرحية في السجن في شبابه. لكنه، إبّان رئاسته، بحسب أحمد بهاء الدين، كان يأنف من القراءة، ويؤثر قراءة ملخصات التقارير على قراءتها كاملةً. وبشأن حافظ الأسد، (قفز من رائد إلى لواء قبل رئاسته!)، فإنه، على ذمة أحمد سليمان الأحمد، كان يكره الثقافة والمثقفين (ويزدري) الشعراء. وعن العقيد القذافي، قال الذين أغدقوا الثناء على قصصٍ نشرها إنه تأثر بتشيخوف وموباسان وغوغول و.... ولأن صدام حسين لم يكن عسكرياً، فقد انقطع لتثقيف نفسه، لا بقراءة التاريخ، بل بالدخول فيه من أوسع كوارثه، ولا نعلم ماذا قرأ من الأدب العالمي، قبل أن (يكتب؟) تحفتيه (زبيبة والملك) و(اخرج منها يا ملعون). لا مكان، هنا، للاستطراد بشأن غير هؤلاء، ذكّرنا الرئيس المرزوقي، بثقافتهم، وبصنيعهم في الأدب والرواية والتاريخ ... والخراب.
  

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.