المسلمون في ألمانيا ضحايا أم جناة؟
كتب اللاعب الألماني من أصول تركية، مسعود أوزيل، قبل سنوات، خطابا مطولا على حسابه على "تويتر"، بعد أن وجّه إلى رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، رينهارد غريندل، اتهامات مختلفة بمعاملته بخلفية عنصرية. في خطابه الذي نشره بالإنكليزية، كتب أوزيل: حينما أحرز هدفا أكون ألمانيا، وحينما أهدر الفرص أصبح مهاجرا. .. ما اضطره أن يعلن اعتزاله اللعب دوليا. سبقت هذا القرار حملة واسعة شنتها ضده صحيفة بيلد، اليمينية واسعة الانتشار، فقد تضمنت أقسى التعليقات ضد أوزيل، ولم تتوان عن شن حملة ضده منذ أسابيع، وخصوصا منذ لقائه في مايو/ أيار 2018 بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتقاطه صورة معه، ما اعتُبر بمثابة تأييد لزعيم متسلّط ونقص في الولاء لألمانيا، قبيل أسابيع من انطلاق نهائيات كأس العالم. وقد جعلت اتهامات أوزيل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تتدخل، وتقول إنها تحترم قرار أوزيل، مؤكدة أن الرياضة تسهم بقسط مهم في عملية الاندماج. وصرّحت الناطقة باسمها، أولريكي ديمر، إن "المستشارة تكن خالص التقدير لمسعود أوزيل. إنه لاعب كرة عظيم أعطى الكثير للمنتخب الوطني. لقد اتخذ الآن قراره وينبغي احترامه".
منذ اللحظة الأولي التي نشر فيها أوزيل خطابه، حدث معه تضامن كبير، خصوصا من المسلمين الألمان، وبصفة خاصة في أوساط الشباب الذين عبروا عن رفضهم تلك العنصرية الألمانية، لكن المتتبع لهذا الخطاب التضامني لدى هؤلاء الشباب، والذي يعتبر رد فعل على الممارسات العنصرية الألمانية، يجد أنه ساهم، بشكل كبير، في انتشار التعصّب بين الشباب المسلم في ألمانيا، لشعورهم بالاضطهاد، وعدم الانتماء للمجتمع. قد يقول قائل إن لما حدث مع أوزيل خصوصية، حيث إنه جزء من المشكلة التاريخية بين الأتراك والألمان، لكن الأحداث التي تتكرّر كل يوم تثبت أن تلك الممارسات العنصرية تمارس بصورة متكرّرة ضد المسلمين، وأن العقلية الألمانية، حتى لو نفت عن نفسها تلك الممارسات، فإن الوقوع فيها وتكرارها يجعلها محل تساؤل.
المفاجأة أنه في أثناء التحقيق مع الألمانية الفلسطينية الأصل، نعيمة الحسن، سألها الذي أجرى التحقيق معها من داخل القناة: هل تصلين، ولو نعم، فكم مرّة؟ وهل تصومين؟
منذ أسابيع، تشغل قضية الصحافية الألمانية من أصول فلسطينية، نعيمة الحسن، المجتمع الألماني، فهي طبيبة وتعمل صحافية، وكان من المزمع أن تقدّم برنامجا علميا في قناة غربي ألمانيا التلفزيونية العامة "دبليو دي آر" (WDR). شاركت نعيمة الحسن في مظاهرات ما يعرف بمسيرات القدس السنوية في برلين عام 2014، وكانت تلك المسيرات السنوية في برلين قد شهدت تكرار إطلاق شعارات معادية للسامية، ورفع رموز مؤيدة لحزب الله اللبناني الذي أصدر وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، قراراً بحظر نشاطه. وكالعادة، لم يتم توجيه أي انتقاداتٍ لها في حينها، لكن على الطريقة الألمانية لنجعل العاصفة تمرّ ثم نبدأ تصفية الحساب. وبالفعل، بدأت عملية تصفية الحساب، وكالعادة تقود الحملة صحيفة بيلد اليمينية المتطرّفة ضد كل ما هو مسلم أو منتمٍ للإسلام، فنشرت الصحيفة صورة لنعيمة، وهي تشارك في إحدى تلك المسيرات. وبالطبع، استغل اليمين المتطرّف وتيارات أخرى هذه المسألة، وشنوا هجوما مرعبا ضد نعيمة الحسن، ما أسفر عن تعليق تقديم الصحافية برنامجها، وفتح تحقيق معها. لكن المفاجأة التي تتحدّث عنها الصحافة الألمانية الآن، إنه في أثناء التحقيق مع نعيمة، سألها الذي أجرى التحقيق معها من داخل القناة: هل تصلين، ولو نعم، فكم مرّة؟ وهل تصومين؟ وهل موضوع لجوء جدّتك إلى ألمانيا يثار في اجتماعات الأسرة؟ ووفقا لبحث أجرته صحيفة برلينر تسايتونج عن الأسئلة التي تم توجيهها إلى نعيمة الحسن، فإنها لا تجعل المحطة تظهر بصورة جيدة، فقد يكون من المشروع للمسؤولين داخل القناة أن يسألوا، بشكل أكثر دقة، عن موقف الحسن من حق إسرائيل في الوجود، والتي تقول إنها لا تشك فيه. وطبقا لتقرير الصحيفة، من حق هيئة الإذاعة والتلفزيون العامة في التأكد من عدم وجود معاداة للسامية أو إسلاميين، لكن الأسئلة التي تم طرحها حاولت، بصورة أو بأخرى، أن تجعل من الحسن مناهضة للدستور، وهو أمر سخيف. ومعروف أن الدستور الألماني يجرّم معاداة السامية، وكذلك من لا يعترف بحق إسرائيل في الوجود.
التصرفات التي حدثت مع أوزيل من قبل، ثم بطريقة فجة ضد نعيمة الحسن، تكشف العقدة التاريخية التي تحرّك الألمان فيما يتعلق بمعاداة السامية
وبالنظر إلى تلك الأسئلة التي تم طرحها علي الحسن، خصوصا فيما يتعلق بالشعائر الدينية، لو تم إخفاء هوية طارحها، لقيل إنه ضابط في جهاز أمن الدولة في أحد الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط، لكن الواقع الألماني كشف عن نفسه بصورة فجّة. ما حدث مع الحسن أنه تم سكب كراهية عنصرية ومعادية للإسلام على صحافي شاب مسلم، وهذا كله تم تحت ذريعة التحدّث علنا ضد معاداة السامية. لكن هذه التصرفات التي حدثت مع أوزيل من قبل، ثم بطريقة فجة ضد نعيمة الحسن، تكشف العقدة التاريخية التي تحرّك الألمان فيما يتعلق بمعاداة السامية، والتي يدفع المسلمون ثمنها، على الرغم من أنهم لم يرتكبوا الجريمة في الأساس. كما أن المسلمين قد تحولوا إلى الفضاء الذي يتم فيه ممارسة هذه العقدة التاريخية. هناك بعد آخر، يجب الانتباه إليه عند تحليل مثل هذه الممارسات، وهو العقلية الألمانية التي تنفي دائما عن نفسها العنصرية، لكن الممارسات تقول خلاف ذلك، كما أنها تعيد السؤال مجدّدا بشأن الإسلام والمسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، والجدل الذي يتكرّر من فترة إلى أخرى: هل الإسلام والمسلمون ينتمون لألمانيا؟
مثل هذه الممارسات تحدُث بصورة شائعة في المؤسسات الألمانية، مثل الجامعات، والشركات الكبرى وغيرها، إلي جانب الشرطة الألمانية التي أصبحت فضائح التوجهات اليمينية لعديدين من أعضائها في السنوات الأخيرة تثير الأسئلة حول تصرفات الشرطة الألمانية. بلا شك ساهمت موجات اللجوء إلي ألمانيا في السنوات الأخيرة في زيادة مثل هذه الممارسات، وترافقت بتصاعد اليمين المتطرّف، وامتدت لتشمل جوانب عديدة في الحياة اليومية، وامتدت أيضا لتشمل قطاعات مختلفة، مثل السكن في المدن الكبرى، كبرلين وكولن وغيرهما، فعلي سبيل المثال، تقديمك للحصول على سكن لن يكون أمرا يسيرا لو تحمل اسما عربيا، وسيستغرق شهورا، بل وقد يمتد عاما أو أكثر، ولو حدث، فإن المكان الذي سيتم منحك السكن فيه سيكون مبنيا على الهوية، بمعنى أنك ستحصل علي سكن معظم قاطنيه عرب أو أتراك، وكأنها سياسة تهدف إلي إنشاء غيتو مبني علي الهوية.
المجتمع الألماني محافظ، وليس منفتحا، كما أن التيار اليساري فيه يتسم بالضعف مقارنة بالتيار المحافظ الذي يهيمن على المجتمع والسياسة في آن
لم تكن ألمانيا في أي يوم قوة استعمارية كفرنسا وبريطانيا، وبالتالي، لم يكن لديها التجربة التاريخية لتلك الدول في النجاح في إيجاد بوتقة الاندماج (هذا لا ينفي وجود ظاهرة العنصرية وخطاب الكراهية التي توجد في هذه الدول)، بالإضافة إلى أن المجتمع الألماني محافظ، وليس منفتحا، كما أن التيار اليساري فيه يتسم بالضعف مقارنة بالتيار المحافظ الذي يهيمن على المجتمع والسياسة في آن. هذه التركيبة للمجتمع إلى جانب الأحداث التي مر بها في الحرب العالمية الثانية والهزيمة والعقوبات التي فرضها الحلفاء وفرض نمط تفكير وتوجه معين، ساهم في إيجاد هذه العقلية التي تمارس هذه الممارسات، كما أنه فرض قطيعةً مع التاريخ الألماني الذي كانت ألمانيا فيه منذ مائة عام أكبر داعم للشعوب المسلمة، بكونها شعوبا مستضعفة تم استعمارها من الفرنسيين والإنكليز، وقدّمت ألمانيا الدعم لهم للحصول على استقلالهم عن تلك القوى الاستعمارية الكبرى.
على أن هذه الممارسات لا تلقي باللوم علي الألمان وحدهم، بل هناك ممارساتٌ عديدة يقوم بها اللاجئون والمسلمون في ألمانيا، مناهضة للقانون والدستور، وتساهم في تصاعد التيارات المختلفة، لكنها أيضا لا تنفي حقيقة واحدة، أن المسلمين في ألمانيا أصبحوا الفضاء الذي تمارس فيه العقدة التاريخية لدى الألمان ومفاهيم أخرى، مثل العنصرية وخطاب الكراهية.