المغرب وإسرائيل ... الإهانة
تناقلت الصحف العبرية، أخيرا، خبر عودة رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب السابق ديفيد غوفرين إلى منصبه في الرباط، لمواصلة أداء مهامّه حتى نهاية مدة ولايته العام المقبل، وذلك بعد انتهاء التحقيق معه في إسرائيل في شبهات تحرّش جنسي وفساد مالي. فقد سبق لخارجية الكيان الصهيوني أن استدعت ممثلها في المغرب عام 2022 للتحقيق معه في شكاوى تقدّمت بها موظفات مغربيات في مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، بدعوى تعرّضهن للتحرّش الجنسي من المسؤول الصهيوني، الأمر الذي أثار في حينه موجة من الغضب داخل المجتمع المغربي الرافض في أغلبيته الصامتة كل أشكال التطبيع مع إسرائيل.
الخبر الذي لم يتم تأكيده رسميا في تل أبيب أو الرباط، برّرته الصحافة العبرية بتبرئة غوفرين من كل التهم الموجّهة إليه، لكن ما لم تقله هذه الصحف أن المسؤول الصهيوني لم يخضع لأي تحقيقٍ أو محاكمة قضائية في بلاده، وإنما لتحقيق داخلي أجرته وزارة خارجية الكيان الصهيوني مع موظفها، وأصدرت قرار براءته. أما في المغرب، وبالرغم من الغضب الشعبي الذي أثارته الاتهمات الموجّهة للمسؤول الإسرائيلي العام الماضي، لم تبادر الجهات الرسمية المغربية إلى أي ردّ فعل، وكأن وقائع الشبهة جرت في بلد آخر وضحاياها يحملون جنسية أخرى غير المغربية!
وفي حال تأكّد خبر عودة المسؤول الصهيوني، المثير للجدل باستفزازاته للشعب المغربي منذ تعيينه في منصبه في الرباط عام 2021، ستجد السلطات المغربية نفسها أمام موقف حرج إذا لم تتحرّك لمنع هذه العودة أو إذا لم تباشر بالتحقيق مع المشتبه به في التهم الموجهة إليه من مواطناتٍ مغربياتٍ تعرّضن للتحرّش داخل مقر تمثيلية الكيان الصهيوني في الرباط، خصوصا مع وجود شكوى تقدّمت بها أكبر جمعية مغربية لحقوق الإنسان إلى النيابة العامة في المغرب، تطالب فيها بفتح تحقيق قضائي في تهم اعتداءاتٍ جنسيةٍ ضد مواطناتٍ مغربياتٍ والاستماع للمشتبه فيه موضوع الشكاية، ومتابعة كل من ثبت تورّطه في الأفعال المرتكبة، بما في ذلك التستّر أو السكوت عنها، وهو الفعل الذي نهجته وزارة الخارجية المغربية التي التزمت الصمت منذ اندلاع هذه الفضيحة.
المغرب الرسمي أمام اختبار حقيقي للدفاع عن كرامته وشرفه
وخارج الدوائر الرسمية المغربية التي تلتزم الصمت، عاد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن ما تصفه تعليقات روّاد هذه المواقع في المغرب بـ"الإهانة"، لأن الأمر يتعلق بتهم تمسّ حقوق نساءٍ مغربياتٍ، وتمسّ كل مغربية ومغربي في كرامته وشرفه، فما بالك إذا كان المشتَكى عليه ينتمي إلى كيانٍ محتلّ تم فرض التطبيع معه على غالبية الشعب المغربي الصامتة بقراراتٍ فوقية لم تخضع لأي نقاشٍ ديمقراطي في بلد أصلا علاقته بالديمقراطية محصورة في مؤسّسات شكلية تفتقد المصداقية والشرعية الشعبية الحقيقية.
لكن، في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يأتي ردّ السلطات المغربية واضحا وقويا بشأن خبر احتمال عودة شخص يشتبه في ارتكابه جرائم ضد مواطنات مغربيات وعلى أرض المغرب، كان شغلها الشاغل استقبال رئيس الكنيست الصهيوني في الرباط، وهو الفعل الذي لم تُقدم عليه من قبل حتى الدول التي سبقت المغرب إلى تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني مثل مصر والأردن، فاستقبال هذا الشخص تحت قبّة البرلمان المغربي يشكل إهانة أخرى للمغاربة، لأن المفترض في البرلمان أنه يضمّ ممثلي الشعب ويعبر عن إرادته، لكن أغلبية الشعب المغربي الصامتة بريئة من كل هذه الإهانات التي تُمارس باسمها وفي حقها. فالبرلمان المغربي الذي صادق على اتفاقات التطبيع المفروضة على أغلبية الشعب المغربي، واستقبل عديدين من ممثلي الكيان الصهيوني، أخيرا رئيس برلمان الكيان الصهيوني، وصمت عن الإعتداءات التي تعرّضت لها مواطنات مغربيات من ممثل دولة محتلة، لا يُنتظر منه أن يحتجّ غدا على عودة مشتبه به لتطأ قدماه الأرض المغربية من دون أن يُحال على القضاء المغربي لتحقيق العدالة، وهذا أقل ما يمكن أن يطالب به البرلمان المغربي، رفعا للحرج، بما أنه أثبت، في أكثر من مناسبة، عدم قدرته على حماية من يُفترض أنه يمثلهم من الإهانات المذلة التي تطاول كل يوم الشرف والكرامة والسمعة المغربية.
لكن، هل سيستمرّ الكيان الصهيوني في التمادي في إهانته المغاربة، لولا وجود مسؤولين مغاربة يسمحون له بذلك، وأغلبية صامتة تستمرّ في صمتها رغم كل الإهانات التي تتعرّض لها، فالخوف من التنديد بالإهانة لا يبرّر السكوت عنها، وإنما يدفع من يمارسها إلى أن يستمرئ فعلها، وفي كل مرة يكرّر فعلته تكون الإهانة أشد وطأةً وأَبْأَس قيلا. ومع كل يوم، يستمر التطبيع مع الكيان الصهيوني، يكتشف المغاربة الوجه البشع لهذا الكيان. ولكن في الوقت نفسه قابلية المسؤولين المغاربة، بمن فيهم من يفترض فيهم أنهم يمثلون الشعب، لقبول كل الإهانات، حتى التي تطاول الشرف والكرامة المغربية، فالمغرب الرسمي الذي برّر تطبيعه مع الكيان الصهيوني بالدفاع عن حق الشعب الفلسطيني هو الآن أمام اختبار حقيقي للدفاع عن كرامته وشرفه، أما فلسطين فلها شعبها الجبّار الذي يدافع عن كرامته وشرفه بالدم والنار.