المونديال والوزير البريطاني وتلك الصحافة
لعلّ وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، المسؤول الأوروبي الوحيد (إلى حينه) الذي يدخل في موضوع كأس العالم في قطر، ويقول كلاماً موزوناً وحكيماً. ولئن يبدو مفهوما، من مدخل حرية الصحافة، ألا يعقّب المسؤولون في الغرب على ما تُشيعه صحفٌ في بلدانهم ضد دولة قطر وأهليّتها لاستضافة كأس العالم، فإن له أهميّته ما توجّه الوزير البريطاني به إلى مشجّعي كرة القدم من مواطني بلاده عند وجودهم في قطر في أثناء التظاهرة الكروية العالمية. وقد قال لغير وسيلة إعلام بريطانية ما قد يلزم أن يكرّر مثلَه نظراؤه في الدول الأوروبية، وسائرُ المعنيين فيها من أهل المسؤولية والقرار في الشأن الرياضي (وغيره ربما). قال الوزير إن لدى المملكة المتحدة شركاء مهمين عديدين في الشرق الأوسط "وهؤلاء دولٌ مستقلّة، لديها ثقافاتٌ مختلفةٌ عنا، ولذلك من الأهمية أنك عندما تزور بلداً ما أن تحترم ثقافة هذا البلد الذي يستضيفك". وقد يرى بعضُنا أن الرجل لم يأتِ جديدا يستحقّ الاكتراث به، وهذا غير صحيح، بالنظر إلى أن دعايةً نشطةً تتولّاها وسائط إعلام في غير بلد أوروبي تلحّ على ما تسمّيه قيوداً تفرضها دولة قطر على الحرّيات الفردية، وتختلق أحاديث عن انتهاكاتٍ للحريات العامة تسلكها السلطات القطرية، وبالتالي، يجوز لمن يزور قطر في أثناء المونديال أن يفعل ما يريد، وأن يزاول حرّيته كما يشاء. ولئن أعلن المسؤولون القطريون، مرّات ومرّات، ترحيب بلدهم بالجميع، وأنه سيوفر كل أسباب الراحة والاستمتاع والبهجة بكرة القدم، فإنهم لم يبتدعوا ما هو خارج المأخوذ به في كل بلاد العالم عندما قالوا باحترام ثقافة المجتمع القطري. وربما كان من أحسن ما جاء عليه كليفرلي قوله لمحطّة سكاي نيوز إشارته إلى ضرورة احترام "المنطلقات الثقافية لدى الدول الإسلامية المختلفة جداً عنا".
وإذ قال وزير الخارجية البريطاني إن "القطريين حريصون جدّاً على ضمان سلامة المشجّعين الذين يريدون الذهاب إلى هناك من أجل الاستمتاع بكرة القدم"، فإن صحفا في بلاده لا تبدو معنيةً بأن تُخبر جمهورها بهذا، وإنما تنشغل بالطخّ الإعلامي والدعائي على دولة قطر، منذ 12 عاماً، بلغةٍ ينكشف فيها الاستهداف المقصود، بالتركيز على ما قد تُعدّ نواقص ومآخذ، مع تجاهلٍ متعمّدٍ وغير مهني للجهود من أجل معالجة هذه الحالات والأوضاع، وبالتحامل الظاهر الذي تبيّن، في غير واقعةٍ، انعدام الصدقية والمصداقية فيه (أو قلّتهما أحياناً)، من قبيل الذي جاءت عليه صحيفة الغارديان عن جرائم ليلية وانتشار المخدّرات بين العمّال الآسيويين في إحدى مناطق الدوحة. وإذا كان من طبيعيّ الأمور وعاديّها أن تختصّ أكثر التقارير عن قطر في الصحافة البريطانية بكأس العالم، فإن مما يحثّ على الدرس والتحليل أن أكثر هذه سلبية. وقد أوضحت هذا بالأرقام دراسة تحليل المضمون التي أنجزها المحاضر في جامعة حمد بن خليفة، مارك أوين جونز، نشر موجزا عنها في مقالة له في موقع العربي الجديد بالإنكليزية (THE NEW ARAB)، فقد حلّلت الدراسة المضمون المرتبط بمونديال قطر في تسع مؤسسات إعلامية بريطانية منذ 2010، شملت 1735 عنواناً رئيسياً في الصحف البريطانية يذكُر قطر، من بينها 685 تناولت المونديال، 66% منها سلبية، نشرت "الغارديان" النسبة الأكبر منها.
وفيما يتذكّر صاحبُ هذه الكلمات ما كان قد بلغَه عن الأهمية الجوهرية لدراسات تحليل المضمون إبّان دراسته الجامعية الصحافة والإعلام، فإنه يأمل أن ينقطع طلابٌ دارسون، وباحثون مختصّون، إلى تحليل مضامين صحف غير بلدٍ أوروبيٍّ بشأن دولة قطر منذ أحرزت استضافة كأس العالم في 2010، سيما في الشهور الأخيرة. والمتوقّع أن تخرج دراساتٌ موثوقةٌ موثّقةٌ في هذا كله إلى أن تلك الصحف لم تُزاول، في كثيرٍ مما نشرَت وأشاعت، حريةً خالصة، وإنما تنازلت، غالباً (وليس دائماً) عن شروط المهنيّة الحقّة، وبدت، في أحيان غير قليلة، مشدودةً إلى أنفاسٍ استشراقية، عنصريةٍ فوقية، تجاه بلدٍ عربيٍّ مسلمٍ شرق أوسطي صغير المساحة. وإذا ما نظر قارئٌ في إشهار نتيجةٍ مسبقةٍ هنا تعجّلاً، فإن سوء الطويّة من حسن الفطن. وأياً كان الأمر، كان صنيعاً حسناً من الوزير البريطاني قولُه ما قال.