النقش على صاروخ: "اقضوا عليهم"
"اقضوا عليهم". كلمتان كتبتهما المُرشّحة السابقة لكسب بطاقة الترشيح للرئاسيات الأميركية عن الحزب الجمهوري، نيكي هايلي، على واحد من الصواريخ الإسرائيلية المركونة على الحدود مع لبنان. بالمناسبة، كانت هايلي سفيرة الولايات المتّحدة لدى الأمم المتّحدة بين عامي 2017 و2018، أي الشخص المفترض أن يعبّر عن السياسة الخارجية لبلاده في أهم منتدى دولي في العالم. لم تختلف كتابة هايلي عما دوّنه أطفال إسرائيليون على صواريخ مماثلة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006. الفارق أنّ الأطفال يبقون أطفالاً، حتى حين يُربّون على الحقد والإجرام. لكنّهم أطفال حتى يكبروا. أمّا هايلي، فليست سوى التعبير الأنقى عن نوعيةٍ رديئةٍ من السياسيين، القادرين على خوض النقاشات في كلّ المجالات مع استخدام التعابير المُنمّقة، والرافضين الاصطفاف إلى الجانب الصحيح من التاريخ، فقط، لأنّ العقلية الاستعمارية مهيمنة في تفكيرهم.
هايلي نفسها، مُؤسّسة جمعية أوريجينال 6 فاوندايشن، خلال ولايتها حاكمة لولاية كارولينا الجنوبية بين عامي 2011 و2017. وفي إحدى العبارات الواردة لهايلي في تعريف الجمعية على موقعها الإلكتروني، كُتب التالي: "أريد من الأطفال أن يفكّروا ويحلموا والإدراك بأنّ النمو في بلدة صغيرة وريفية أمر مميّز". بمعزلٍ عن المقارنات بين الأطفال في غزّة ولبنان، وكارولينا الجنوبية، أظهرت هايلي أمراً يحاول كثيرون تجاهله، وحتى عدم الانتباه إليه. دائما ما يظهر أمثالها من الشخصيات السياسية الأميركية على حقيقتهم طالما ظلّوا خارج النظام، وفي حالتها خارج السباق الرئاسي. ذلك أنّ من ينخرط في صلب النظام الأميركي، من الرئيس حتى الجندي الاحتياط في إحدى القواعد العسكرية في ولايات نائية، يصبح لزاماً عليه الالتزام بقوانين هذا النظام، لئلا يلفظه خارجاً. مع ذلك، يبقى الشخص نفسه، قبل دخوله النظام وبعد خروجه منه، مثل هايلي وآلاف الشخصيات المماثلة. وحدهم المدركون حقيقة ما يجري في الشرق الأوسط، يبقون على الهامش أو خارج النظام الأميركي. والهامش، هنا، يبدأ من صياغةٍ مبرّرةٍ قبل إطلاق المواقف، من قبيل "لإسرائيل الحقّ في الدفاع عن نفسها... حماس إرهابية... السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أمر مرفوض"، قبل القول مثلاً إنّ "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزّة".
هنا، أيضاً، يصحّ السؤال: ما الذي كان صحيحاً قبل "7 أكتوبر"؟ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية المُحتلّة؟ حصار غزّة؟ عدم تطبيق القرارات الدولية، وأولها الموافق عليه في عام 1967، والمعروف بحلّ الدولتَين؟ ماذا لو خرج مسؤول سابق أو حالي، لا حزب الله ولا غيره، وكتب على قذيفة للجيش اللبناني: "اقضوا عليهم"؟ ألم تكن لتشتعل إسرائيل وحلفاؤها بالحديث عن "معاداة السامية" و"يريدون قتلنا" و"نحن في حالة خطرٍ وجودي"؟ صحيح أنّ الافتراضات، تحديداً، "ماذا لو كان فلانٌ رئيساً بدلاً من علّان؟"، غير واردة في عالم السياسة، إلا أنّ في وسع أيّ كان التأكيد أنّه لو كانت هايلي رئيسةً للولايات المتّحدة، لكانت متحرّرة حزبياً، لأنّ الأجنحة الجمهورية منقسمةٌ حصراً بين يمين ويمين ترامبي، فيما الحزب الديمقراطي أكثر تعدّدية وتنوّعاً. وقد كانت الرئيسة هايلي لتحظى بدعم الكونغرس في أيّ خطوة متعلّقة بغزّة وبالقضية الفلسطينية، حتى لو ضمن ثوابت النظام الأميركي. وإذا كانت هايلي هكذا، فكيف حين يحلّ عهد الرئيس العائد دونالد ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل، حسبما صارت تُظهر استطلاعات الرأي؟
ما أبرزته هايلي في كتابتها أنّ مفهوم "نحن وأنتم"، الذي أرسته أميركا ـ جورج بوش (الابن)، لم ينتهِ بعد، رغم إيحاء بايدن بسعيه إلى ذلك، واستخدامه أدوات مرنة، خصوصاً حين طلب، أخيراً، من الأوروبيين التساهل مع إيران، رافضاً، أيضاً، استخدام أوكرانيا أسلحة أميركية لضرب الأراضي الروسية. "نحن وأنتم" ستحضر بكثافة في الأشهر المُقبلة، مع ارتفاع حظوظ ترامب الرئاسية، إلى حدّ الاعتقاد أنّ مصطلح "القضاء عليهم" هو الحلّ الوحيد لإنهاء أيّ حرب.