اليمن .. دورة جديددة من الصراع الإقليمي
جاء إعلان الخارجية الإيرانية، أخيرا، تعيين حسن إيرلو سفيرا في صنعاء منعطفا جديدا في سياق الصراع الإقليمي السعودي - الإيراني في اليمن، فإضافة إلى تبعات دخول إيران رسمياً في الساحة اليمنية، حليفا إقليميا وداعما رئيسا لوكيلها المحلي، جماعة الحوثي، وانعكاس ذلك على مسارات الحرب في اليمن، فإن ذلك قد يدفع الصراع الإقليمي بين إيران والعربية السعودية، قائدة التحالف العربي في اليمن، إلى مستوىً أعلى، في ظل تشاركهما المجال اليمني، فيما يمثل أيضا انكشافاً سياسياً للسعودية، ففي حال صحة أخبار دخول السفير الإيراني من دون معرفة السعودية، إذ إنه يضع قدرتها الأمنية والاستخباراتية، بما في ذلك إدارتها الأجواء اليمنية، ست سنوات من الحرب، موضع تساؤل عن جدوى الإجراءات التقيدية، وحالة الحصار الخانقة التي لا تستهدف سوى اليمنيين. في المقابل، فإن جماعة الحوثي، وإن حققت مكسباً سياسياً بالتمثيل الدبلوماسي الإيراني في صنعاء، بما في ذلك الاعتراف بسلطتها، وكذلك تطوير علاقتها بحليفها الإقليمي، فذلك قد تكون له ارتدادات سلبية على الجماعة على المدى البعيد.
على امتداد سنوات الحرب السابقة، اتخذ الصراع السعودي - الإيراني في اليمن تحولات عديدة رافقت مسارات الحرب، وإن أتى بصبغة سياسية أكثر من كونه عسكريا، إذ ارتبط، في المجمل، بالتصعيد السياسي والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، حيال دورهما في تغذية الصراع في اليمن، حيث وظفت السعودية الدور الإيراني في اليمن، لشرعنة تدخلها العسكري، من خلال اتهام إيران بتطوير القدرة العسكرية الصاروخية لجماعة الحوثي، بتزويدها تقنياتٍ متقدّمة أسهم بها خبراء إيرانيون، مكّنت الجماعة من استهداف المنشآت الحيوية السعودية، فإن إيران ظلت تقارب الحرب في اليمن كساحة ثانوية غير مؤثرة في صراعها مع السعودية، فمع توظيفها علاقتها بجماعة الحوثي، بوصفها قوة دينية وعسكرية في اليمن، للضغط على المجتمع الدولي في ملفاتٍ سياسيةٍ أكثر أهمية بالنسبة لها، كالملفين، السوري والعراقي، فإن دعمها الحوثيين ظل لا يرقى إلى علاقة حليف بوكيله المحلي، بحيث ظل يأتي من قنواتٍ غير رسمية، سواء بالدعم المالي من الحوزات الإيرانية، أو الدعم الفني في المحافل الدولية، وكذلك فتح منافذ تجارية موازية مع الحوثيين، من خلال ساحات الحرب الإقليمية التي تنشط فيها، بما في ذلك إدارة اقتصاد حربٍ في هذه المناطق، بحيث كان وكيلها هو من يتبنى خطابها السياسي، ويخفّف الضغط عليها من خلال استهداف خصومها في المنطقة، الأمر الذي يجعل تنصيب إيران حسن إيرلو سفيرا كامل الصلاحيات في صنعاء بعد أكثر من ست سنوات من الحرب، متغيراً ارتبط بوضعها الإقليمي الحالي، وذلك بتغير مقاربتها علاقتها بوكيلها المحلي، والحرب في اليمن بشكل عام.
تحسين إيران شروطها السياسية في البلدان المتدخلة بها ومنها اليمن، يرتبط بالضغوط الدولية والإقليمية على نشاطها
كدولة إقليمية متدخلة في بلدان الحروب في المنطقة، فإن تحسين إيران شروطها السياسية في هذه البلدان يرتبط بالضغوط الدولية والإقليمية على نشاطها. وفي ظل وضعها الحالي، مثل اليمن خيارا مثاليا بالنسبة لها في هذه المرحلة، لتثبيت موقعها قوّة إقليمية منافسة للسعودية، والتفاوض على ملفات أخرى، فمن جهة مثل استمرار تضييق الإدارة الأميركية الحالية على إيران، ورقابتها على تحرّكاتها خارج حدودها، خصوصا بعد قتلها في بغداد قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، الذراع الإقليمية للحرس الثوري الإيراني، جعل إيران، تفعّل حضورها في الساحة اليمنية، لتحقيق مكاسب إقليمية. ومن جهة ثانية، فإن تعدّد القوى المحلية وارتباطاتها الإقليمية والدولية في سورية، إلى جوار دعم إيران نظام بشار الأسد، قلل من تأثيرها السياسي في سياق الأزمة السورية، على عكس الساحة اليمنية التي تشكل القوى المحلية وامتداداتها الإقليمية أكثر تحديداً، ما يمنحها فرصا لاستثمارها سياسياً، إذ إن تعيينها حسن إيرلو سفيرا مطلق الصلاحيات يعني تحولها طرفا إقليميا رئيسا داعما لوكيلها جماعة الحوثي، وبالتالي اضطلاعها بدور سياسي في الأزمة اليمنية، وإذا ما صحّت التكهنات بأن حسن إيرلو قيادي في الحرس الثوري الإيراني، فقد يمكّن إيران من الإشراف على القرار العسكري والسياسي لجماعة الحوثي، بما في ذلك إدارتها الحرب ضد السعودية، وبالتالي الضغط على خصمها الإقليمي في اليمن، وذلك بحضورها الدبلوماسي من العاصمة صنعاء الخاضعة لسلطة الحوثيين، مقابل هيمنة السعودية على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، وبذلك تكون إيران قد أصبحت قوة مماثلة للسعودية تتقاسمان المجال اليمني، من خلال وصايتهما على أدواتهما المحلية، بحيث تكون إيران، بهذه الخطوة، حققت مكسباً سياسياً، سواء الاشتراك في صيغة الحل النهائي للحرب في اليمن، بما يضمن مصالح وكيلها المحلي أو استخدام اليمن ورقة في ملفاتٍ سياسيةً أخرى.
مثّل اليمن خيارا مثاليا بالنسبة لها في هذه المرحلة، لتثبيت موقعها قوّة إقليمية منافسة للسعودية
في المقابل، ظل ربط إيران بالحرب في اليمن، من خلال دعمها جماعة الحوثي، استراتيجية سعودية مكّنتها من التحايل على أي مساءلة حيال مبرّراتها السياسية لاستمرار حربها في اليمن. وعلى الرغم من اتهامها المستمر إيران بتسليح الحوثيين، وإعلانها، بين وقت وآخر، اعتراض شحنة أسلحة إيرانية في طريقها إلى الحوثيين، فإن المجتمع الدولي ظل متشكّكا حيال حجم الدور الإيراني في اليمن. وبالتالي، بتعيينها سفيرا لها في صنعاء، والاعتراف بسلطة الحوثيين، تكون إيران قد قدّمت للسعودية هدية ثمنية. وبعيداً عن التصريحات النارية التي أطلقتها السعودية، حيال وصول السفير الإيراني إلى صنعاء، بما في ذلك تنصّلها من المسؤولية، والإشارة إلى الدور العُماني، بشبهة وصوله بطائرة عُمانية حملت جرحى من المقاتلين الحوثيين، فإن الحضور الإيراني الحالي في صنعاء منح السعودية ذريعة لتجديد دوافع استمرار حربها في اليمن، خصوصا في ضوء قلقها من احتمالية فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات الأميركية. ومع أن سياسة الحزب الديمقراطي لا تختلف كثيراً عن سياسة الحزب الجمهوري، فيما يخص حماية المصالح الأميركية الحيوية التي تشكل صفقات السلاح مع السعودية، خصوصا مع الآثار الكارثية لتفشي فيروس كورونا على الاقتصاد الأميركي، فإن المرشح الديمقراطي قد ينتهج سياسة خفض التوتر مع إيران، وربما يفعّل الاتفاق النووي لسلفه الرئيس، باراك أوباما، ما يعني ضرب أهداف السعودية في اليمن، وبذلك يمنحها الحضور الإيراني في صنعاء غطاء سياسياً إقليميا ودولياً للتصدّي للنفوذ الإيراني في اليمن، والدفاع عن أمنها القومي.
أصبح اليمن أرضا بلا سيادة تنشط فيها القوى الإقليمية، من خلال أدواتها الرخيصة، بالإضافة إلى القوى الأخرى في المناطق المحرّرة
أحياناً قد يكون ضرر المكاسب السياسية الآنية أكثر من فوائدها على المدى البعيد، وينطبق هذا على جماعة الحوثي، فبقدر ما يمثل تعيين إيران سفيرا لها في صنعاء اعترافاً دبلوماسياً بسلطة الجماعة، وتوثيق علاقتها بحليفها، فإن حضور إيران في اليمن حليفا إقليميا لها يجعل الجماعة في مربع مكشوف لعمالتها الصريحة لإيران، وبذلك فقدت الجماعة أهم أسلحتها الإعلامية التي استخدمتها للنيْل من خصمها، السلطة الشرعية، ممثلا بالرئيس عبد ربه منصور هادي، كونه أداة سعودية، كما أن إقامة إيران علاقة دبلوماسية مع سلطة جماعة الحوثي تعني حسم الصراع بين أجنحتها لصالح الجناح الموالي لإيران، وبالتالي صبغ الجماعة بصبغة ايرانية، فضلاً عن أن حضور إيران في صنعاء قوة اقليمية لن تكتفي بالفرجة، يعني خضوع الجماعة سياسياً وعسكرياً لقرار حليفها الإقليمي، بحيث يجعل حربها ضد السلطة الشرعية حرباً بين وكلاء إيران ووكلاء السعودية، وهو ما حاولت الجماعة التحايل عليه، على الأقل بين أنصارها.
ما بين سلطة السفير الإيراني، حسن إيرلو، في صنعاء، وصيا على وكيله المحلي، جماعة الحوثي، والسفير السعودي محمد آل جابر الذي يحكم اليمن من خلال سيطرته على قرار السلطة الشرعية، أصبح اليمن أرضا بلا سيادة تنشط فيها القوى الإقليمية، من خلال أدواتها الرخيصة، بالإضافة إلى قوى إقليمية أخرى في المناطق المحرّرة التي تحاول تكريس نفوذها. ومع أنه من المبكر معرفة تطوّرات الحضور الإيراني في اليمن على المسار العسكري، فإن الثابت هنا هو استطالة أمد الحرب في اليمن، والدفع بها ربما إلى سنوات مقبلة.