انتخابات استثنائية في الأردن بمن حضر
جرت الانتخابات النيابية الأردنية يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وفق استحقاق دستوري، بعد أن استكمل المجلس النيابي السابق الثامن عشر فترته، وبعد أن تمت إعادة تشكيل مجلس الأعيان (65 عضواً يعينّهم الملك). وعلى الرغم من ظروف جائحة كورونا، وتضاعف أعداد الإصابات والوفيات، إلا أن السلطات نجحت في إجراء الانتخابات بغير مشكلاتٍ تذكر، وبطريقة مبتكرة في بعض جوانبها، مثل استخدام قلم الاقتراع مرة واحدة، ووسط أقل الاتهامات من المعارضة.. وكذلك وسط أقل نسبة اقتراع لامست الـ 30%، وهي من أقل النسب في تاريخ مجلس النواب، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة الإقبال على الاقتراع في بعض الدوائر الانتخابية، في العاصمة مثلاً، لم تزد عن 12%. وقد لوحظ أنه في مقابل انخفاض الإقبال على التصويت، فإن الإقبال على الترشيح يزداد، إذ بلغ عدد المترشحين هذه المرة 1690 مترشحاً تنافسوا على 130 مقعداً، في مقابل 1252 مترشّحاً في انتخابات 2016 التي زادت فيها نسبة الاقتراع عن 36%، وقد تهكّم مُتهكم بأن عدد المترشّحين قد يضارع، في دورات لاحقة، عدد الناخبين.
بينما تضم العاصمة عمّان والزرقاء وإربد نحو 70% من عدد السكان، إلا أن تمثيل المدن الثلاث في المجلس يناهز 48% فقط
وقد كان انحسار الإقبال على الاقتراع متوقعاً، وسط الصعوبات الاقتصادية والتحدّيات المعيشية، والمخاوف من تفشّي الوباء بصورة مضطردة، ما قد يحمل على فرض إغلاقات طويلة، وكذلك مع انخفاض الثقة بأداء دور مجلس النواب. وإذ نجحت الحكومة الحديثة التشكيل، برئاسة بشر الخصاونة، في إجراء الانتخابات، فذلك ما يسجل لها، وهو نجاحٌ تقنيٌّ وتنظيميٌّ وإداريُّ لا مراء فيه. ولا يتعدّى ذلك إلى الجوانب السياسية مثلاً، إذ لا يلبث أمر المجلس المنتخب أن يُنسى لدى أغلبية الرأي العام بعد أسابيع على تشكيله. ويسهم الوعي العام السائد في وضع عقباتٍ أمام ظهور مجلس نيابي فاعل، أو أكثر تمثيلاً، إذ أفضل النواب هم من يؤدّون الخدمات للناخبين، بما في ذلك خدمات لأفراد، ويتخذون مواقف سياسية جريئة. وهذه مواصفاتٌ يصعب اجتماعها معاً، لأن الحصول على خدماتٍ يتطلب عدم مشاكسة الحكومات! ومع عدم تجذّر الأحزاب في المجتمع خلال العقود الثلاثة الماضية، واعتماد قوانين انتخابية لا تجذب الأحزاب، ولا تمنحها فرصة، فإن الصفة الحزبية تغيب عن الترشيح. وقد شارك في انتخابات هذا المجلس أزيد من أربعين حزباً، لكنها بالكاد حملت أسماء أحزابها، وطغت أسماء قوائم انتخابية. وقد أسهم التمويل الحكومي لمشاركة الأحزاب في الانتخابات في دفع الأجسام الحزبية إلى خوض المعترك، حيث شارك 41 حزباً من جملة 48 حزباً مرخصاً، وهي نسبة عالية جداً، ولا سابق لها. لكن نتائجها متواضعة، إن لم تكن هزيلة، فقد تراجع عدد ممثلي أكبر حزب (جبهة العمل الإسلامي) من 14 نائباً إلى ستة نواب فقط. وتقدّم ممثلون للوسط الإسلامي بثمانية نواب، وتراجع ممثلو الاتجاهات المدنية واليسارية والقومية، حيث سيكون من الصعوبة بمكان العثور على ممثلين لهذه التوجهات تحت القبة البرلمانية. هذا مقابل صعود وجوه جديدة بالعشرات، نسبة ملحوظة منها من الجيل الشاب، وهو ما احتفت به منابر محلية، واعتبرته يعكس "تغييراً كبيراً أو جذرياً".
نتائج الانتخابات بدت مخيبة لآمال الحزبيين، وكذلك للنساء اللواتي تبقت لهن فرصة الفوز بـ15 مقعداً وفق الكوتا النسائية
وقد بلغ عدد المترشحين الحزبيين أقل من 400 مترشح بقليل، ونحو ربع هذا العدد من النساء. إضافة إلى المترشحات غير الحزبيات، إلا أن نتائج الانتخابات بدت مخيبة لآمال الحزبيين، وكذلك للنساء اللواتي تبقت لهن فرصة الفوز بـ15 مقعداً وفق الكوتا النسائية. علماً أن هذه الكوتا تبقي الباب مفتوحاً أمام إضافة من يفزن بالتنافس إلى العدد، لكن أحداً منهن لم تفز خارج الكوتا. وقد تبين، ومنذ عودة الحياة النيابية في 1989، أنه لولا الكوتا النسائية قد تشهد بعض المجالس النيابية اختفاء تاماً أو شبه تام لوجود المرأة بين ممثلي الشعب، وهي مشكلة تتشارك فيها مجتمعات عربية عدة، حيث لا يثق الرجال بتولية نساء مواقع رفيعة في مؤسسات المجتمع والدولة، وكذلك الأمر مع النساء اللواتي لا يثقن كثيراً ببنات جنسهن، ولا يقفن إلى جانبهن أو يتجشّمن عناء انتخابهن، ما يدلل على مشكلة جندرية بنيوية ضاربة الجذور.
أسهمت ظروف الجائحة، وفرض التباعد الاجتماعي، وحظر الاجتماعات العامة لأزيد من عشرين شخصاً، في فتور الحملات الانتخابية وشحوبها
وتبقى ظاهرة انخفاض الإقبال على الاقتراع تستحق توقف السلطات والمجتمع المدني والسياسي عندها، إذ إن ضعف المشاركة في الانتخابات يعكس ويؤدي إلى ضعف المشاركة السياسية بصفة عامة، وإلى ضمور التمثيل. وبينما تعمل جمعيات ومنظمات ونقابات مهنية على إجراء الانتخابات "بمن حضر"، إلا أن هذه القاعدة الاضطرارية ليست صالحة لانتخابات برلمانية ذات طابع سياسي. وقد بذلت السلطات جهداً فائقاً في حثّ الناخبين على المشاركة عبر مختلف الوسائط الاتصالية، مخافة الوصول إلى هذه النتيجة التي تؤشر إلى فجوات كثيرة، منها ضعف الثقة بالمؤسسات وبالممثلين المنتخبين، وقد تشمل القنوط من التغيير، وهي ظاهرة لا يتفرّد الأردن بها، إذ إن دولاً عربية تسير على النهج الديمقراطي تشكو بدورها من انخفاض من الإقبال أحياناً، مثل المغرب، على الرغم من زخم الحياة الحزبية فيها، وكذلك تونس على الرغم مما شهدته في الأعوام الأخيرة من حراك سياسي ساخن، إلا أن نسبة الإقبال تبقى متواضعة، وبحدود الـ40%. وتثور الحاجة، والحديث هنا عاد إلى انتخابات الأردن، إلى التداول في القانون الانتخابي، وجعله قضية رأي عام، لا أن يقتصر النقاش حوله على مجلس النواب وبمشاركة الأحزاب. ومن القضايا التي تثار في هذا المعرض بشأن القانون ضعف نسبة تمثيل المدن الكبرى في مجلس النواب، فبينما تضم العاصمة عمّان والزرقاء وإربد نحو 70% من عدد السكان، إلا أن تمثيل المدن الثلاث في المجلس يناهز 48% فقط. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي يتبدّى، أكثر ما يتبدّى، في هذه المدن، فيما تشتد الحاجة إلى التنمية الاقتصادية والتمثيل السياسي في المدن الأقل نمواً.
لقد أسهمت ظروف الجائحة، وفرض التباعد الاجتماعي، وحظر الاجتماعات العامة لأزيد من عشرين شخصاً، في فتور الحملات الانتخابية وشحوبها، وهو ما انعكس على حجم الاقتراع. وكان من المفارقات أن الحظر الشامل أربعة أيام، عقب إجراء الانتخابات مباشرة، قد دفع الناس للسعي إلى تأمين حاجياتهم، وصرَف نسبة كبيرة منهم عن التوجه إلى الاقتراع، وهو ما ظهر في الأساس في المدن الكبيرة.