انتكاسة المرأة التونسية

15 اغسطس 2023
+ الخط -

في إطار الاحتفاء بالعيد الوطني للمرأة التونسية الموافق 13 أغسطس/ آب من كل سنة، تمّ إصدار 23 طابعا بريديّا لتونسيّاتٍ تميزن بريادتهنّ وأثرهن المهم في تاريخ تونس في مختلف المجالات، وساهمن في بناء الذاكرة التونسية. طوابع تحمل اسم كلّ واحدة منهن ولمحة عن سيرتها وتجربتها في مجالها، من بينهنّ المناضلة النسويّة راضية الحدّاد والمناضلة مجيدة بوليلة والطبيبة المختصّة بجراحة الصدر في أفريقيا حبيبة الجيلاني والمناضلة شاذليّة بوزقرّو والمناضلة الحقوقيّة أحلام بلحاج والأستاذة في الرياضيّات فاطمة معلّى.
حركة رمزية تهدف إلى تكريم المرأة وإبراز قيمتها ومآثرها، سيما وأن أدوارها قد تعدّدت عبر مختلف المحطات التاريخية للبلاد التونسية، وتعزّزت بعد الاستقلال الوطني من خلال التشريعات والقوانين. وهو تكريم لا يعكس سياسة الدولة وخياراتها منذ انقلاب 25 يوليو (2021)، رغم الرهان الكبير على معركة الرمزيات في بداية تعيين نجلاء بودن سنة 2022 أول رئيسة حكومة لتونس وأول امرأة تصل إلى هذا المنصب في العالم العربي، الأمر الذي أثار جدلا بشأن خلفيات تكليفها من قيس سعيّد وأهليّتها لذلك، بعيدا عن النقاشات الجندرية. ولكن ما خلفه الأداء الهزيل لبودن في أثناء تولّيها المهمة وغياب دورها وأثرها في المشهدين، الحكومي والسياسي، ناهيك بغرقها في بحر الصمت، ثم التخلّي عنها وإعفائها أخيرا من دون توضيحات، رجّح كفّة معارضي هذا الخيار الشكلي، حيث اعتبروه لا يزيد عن ذرّ رماد على العيون، ومحاولة لدغدغة مشاعر فئاتٍ واسعةٍ من المجتمعين، الوطني والدولي، من دون توفر الحد الأدنى من الشروط لتولي مهمّة بهذه الأهمية في ظروف استثنائية تعيشها البلاد.

لم تصعد أي نائبة عن ثلث المحافظات التونسية، كما لم تتجاوز مشاركتها النيابية نسبة 15%

كان ذلك التكليف شكلانيا، مثل قرار إصدار الطوابع البريدية في وقت تعيش فيه المرأة التونسية انتكاسة كبيرة على مستوى مكتسباتها وحقوقها وحرياتها، فبعد انقضاء أكثر من ستّة عقود على المصادقة على مجلة الأحوال الشخصية وما تحقّق من تشريعات في العشرية الفارطة لصالح المرأة، من قبيل قانون القضاء على العنف ضد المرأة، وتضمين المناصفة بندا أساسيا في القانون الانتخابي الذي أفرز حضورا قويا للمرأة داخل مجلس نواب الشعب، وفي طواقم الحكومات والمجالس المحلية، وفي الفضاء السياسي عموما، إلا أنه منذ احتكار قيس سعيّد السلطة تعدّدت الانتهاكات ضد النساء، من حيث الخطاب الرسمي للدولة وسلوكها تجاههن، وأيضا على مستوى التشريعات. فبسبب تعديل القانون الانتخابي، تراجع حضور المرأة في برلمان 2022 مقارنة بالمجالس النيابية السابقة، إذ لم تصعد أي نائبة عن ثلث المحافظات التونسية (نحو ثماني محافظات) كما لم تتجاوز مشاركتها النيابية نسبة 15%. وفي سنة 2020 اتهم رئيس الجمهورية علنا قاضيتين بالزنا بناءً على "تقارير خاصة"، وأعفاهما من مهامهما من جملة 57 قاضيا، الأمر الذي حرّض أنصاره على سحلهما في الفضاء الإلكتروني ونشر خصوصياتهما من صور ومحاضر بحث وتحقيق على الملأ. في عنف معنوي ونفسي وتشهير وتحريض من رأس الدولة على بعض النساء، تمت تبرئة إحداهما لاحقا، والحكم لها بعدم سماع الدعوى، فيما تتواصل التحقيقات في القضية الأخرى، من دون أن يستجيب قيس سعيّد لنداءات الاعتذار.

للمرأة التونسية نصيب من الملاحقات الأمنية والاعتداءات الجسدية والانتهاكات الحقوقية

وكان للمرأة نصيب من الملاحقات الأمنية والاعتداءات الجسدية والانتهاكات الحقوقية التي شملت فاعلين ومعارضين عديدين في المشهد التونسي، في ظل صمت رئيسة الحكومة بودن وتواطؤ وزيرة العدل. ففي شهر فبراير/ شباط من سنة 2023 أكّدت المحامية وعضو هيئة المحامين سابقا، سهيدة العكرمي، تعرّضها وعائلتها للعنف البوليسي واحتجاز هاتفها الجوال خلال اقتحام قوات الأمن منزلها ليلا، للقبض على زوجها القيادي في حركة النهضة، نور الدين البحيري. وفي الفترة نفسها، تم اعتقال الناشطة النسوية شيماء عيسى والقيادية في جبهة الخلاص الوطني بتهمة التآمر على أمن الدولة، بعدما قطعت قوات البوليس طريقها وهي في سيارتها برفقة شقيقتها وتم اقتيادها إلى التحقيق ومن ثم السجن. وشملت دعوات التحقيق في قضايا التآمر على أمن الدولة المناضلة النسوية والرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات والنائبة السابقة بشرى بالحاج حميدة التي تعرضت قبل ذلك لمضايقات أمنية عند مغادرتها أرض الوطن يوم 28 فبراير 2023.
جدير بالذكر أيضا الوقوف عند نساء أخريات، منهن صحافيات، كما شذى الحاج مبارك، اللواتي في السجون في قضايا اختارت السلطة أن تجعلها ملهاة للرأي العام. وذلك من دون التغافل عن حجم المأساة التي تعيشها مناضلات، منهن زوجات المعتقلين وأمهاتهم وبناتهم بسبب الوصم السياسي وانعكاساته المجتمعية والاتهامات الموجّهة إلى أزواجهن، مرورا بالتضييقات الأمنية وإجراءات منع كثيراتٍ منهن من السفر، ورحلات العذاب والترهيب بين المحاكم والسجون، ناهيك بالظروف الاقتصادية الصعبة للعديد منهن وحجم العراقيل التي يواجهنها لإعالة أسرهن.