بايدن وإسرائيل.. موعدٌ مع "منجم ذهب"
مثلما كانت الحال عليه في إبّان انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، قبل أكثر من عام ونصف عام، وبالذات لكونه جاء خلفاً لدونالد ترامب، نشهد الآن، على أعتاب أول زيارة سيقوم بها للشرق الأوسط، وتشمل إسرائيل، تدافعاً إلى إعادة التذكير بأن المؤسسة السياسية الإسرائيلية مدعوّة إلى أن تجعل من هذه الزيارة أكثر من أي شيء آخر موعداً متجدّداً لعرض ما تشكله دولة الاحتلال من "منجم ذهب" بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بما يتجاوز الاعتقاد السائد أن العلاقات الخاصة بين الدولتين تسير في مسار أحادي الجانب، بمعنى أن طرفاً واحداً، الإسرائيلي، يستفيد منها على نحوٍ شبه مطلق، بينما استفادة الطرف الآخر، الأميركي، كانت ولا تزال في الحدّ الأدنى، إن كانت تُذكر أصلاً.
داخل هذا التدافع، يمكن العثور على أصواتٍ كثيرة تُعرب عن قناعة بأن بايدن ومستشاريه عرفوا كيف يفصلون بين الأساس والهامشي، وحين نظروا إلى خريطة الشرق الأوسط، فإن أبلغ ما شاهدوه "أن هناك دولة واحدة مستقرّة وحليفة حقيقية لهم في المنطقة هي إسرائيل"، بحسب ما أكد دبلوماسي سابق وخبير في العلاقات الإسرائيلية - الأميركية.
كذلك فإن هذا الدبلوماسي وغيره ارتأوا في مناسبة اقتراب موعد الزيارة تدشين موسم إنعاش الذاكرة بـ"الخدمات الأمنية" التي تقدّمها إسرائيل للولايات المتحدة، والتي تظلّ أفضل ضمانة لصيانة العلاقات الخاصة بين الدولتين. وبرأيهم، لم تعد الولايات المتحدة تقدّم مساعدات خارجية إلى إسرائيل، بل تضع فيها استثمارات تعود عليها بأرباح سنوية بمئات النسب المئوية. فضلاً عن أن إسرائيل باتت بمثابة مختبر قليل التكلفة للصناعات الأمنية الأميركية، التي يعمل فيها نحو أربعة ملايين أميركي، وذلك في ظروف مثالية، لكون هذا "المختبر" يخوض قتالاً حقيقياً في أكثر من جبهة، ويُستفاد منه في جانبين: اقتصادي وعملاني. فمن خلاله يُحسَّن أداء القوات الأميركية أيضاً. والنموذج الأبرز لذلك، استخدام سلاح الجو الإسرائيلي طائرات من طرازي "إف 16" و"إف 35" التي تنتجها شركة لوكهيد مارتين الأميركية، ونقل هذا السلاح يومياً، كما يؤكد الخبير نفسه، تقارير إلى هذه الشركة وسلاح الجو الأميركي، تشتمل على الدروس المُستخلصة من العمليات العسكرية ومن أعمال الصيانة والتصليح. وتساهم هذه التقارير في تطوير هذين الطرازين من الطائرات وتحسين الجيل المقبل منها، ويستفيد منها سلاح الجو الأميركي في عملياته.
لا تكتمل الدائرة إلا عندما ننوّه بأنه تصدُر، بين الفينة والأخرى، إشاراتٌ من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة تؤكّد هذه السرديّة الإسرائيلية من وجهة نظر منفعة واشنطن. ولعلّ جديدها أخيراً اعتبار رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، من الحزب الديموقراطي، خلال زيارة قامت بها للكنيست الإسرائيلي في شباط/ فبراير الماضي، إقامة دولة إسرائيل تشكّل أعظم إنجاز سياسي في القرن العشرين، وأن الرابطة الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة وثيقةٌ للغاية، والصداقة بينهما أبدية، وأن بايدن أظهر، في عقود عديدة، التزاماً طويل الأمد تجاه إسرائيل، وينعكس ذلك في سياساته رئيساً.
ومن إشارات سابقة يصعب حصرها، قول الجنرال ألكسندر هيغ، الذي شغل منصبي القائد الأعلى لقوات حلف الناتو ووزير الخارجية الأميركي في أثناء الحرب الباردة، إن إسرائيل "هي حاملة الطائرات الأكبر في العالم التي لا يوجد جنود أميركيون على متنها، ولا يمكن إغراقها، وهي راسيةٌ في منطقة حسّاسة أمنياً واقتصادياً. كذلك فإن إسرائيل توفّر على الولايات المتحدة نفقات ترتبط بإنتاج ونصب حاملات طائرات وألوية عسكرية إضافية في المحيط الهندي والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، تصل إلى نحو 15 مليار دولار سنوياً".
وفي ذروة الحرب الباردة عام 1986، قال الجنرال جورج ف. كيغن، الذي خدم في استخبارات سلاح الجو الأميركي، إنه ما كان سينجح في جمع المواد الاستخباراتية التي حصل عليها من إسرائيل، حتى لو كانت تحت تصرفه خمس وكالات "سي. أي. إيه".