19 يناير 2024
"تحرير" الرّقة والسياسة الأميركية في سورية
لم تكن مدينة الرّقة السورية تحظى في أي يوم بأي اهتمام سياسي أو إعلامي سوري، حتى أن الرئيس الراحل حافظ الأسد لم يزرها أبداً خلال سنوات حكمه الثلاثين. وترك هذا الإهمال السياسي والاقتصادي والإعلامي لها المحافظة بأكملها لكي تصبح الأقل تعليماً والأكثر فقراً، مقارنة بكل المحافظات السورية، وفقا لتقرير خارطة الفقر الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011. وربما يفسر هذا جزئياً كيف تحولت مدينة الرقة إلى عاصمة لدولة "الخلافة" الإسلامية، بسبب تراكب الفقر والجهل فيها بنسبة عالية جداً، مقارنة مع كل المحافظات السورية.
حظيت الرّقة بتركيز إعلامي غير مسبوق، عندما أعلنها "داعش" عاصمةً لخلافته المزعومة بعد السيطرة الكاملة عليها في 12 يناير/ كانون الثاني 2014، وبدأت تنفيذ إعداماتٍ حيةٍ بحق صحفيين وعمال إغاثة ومواطنين غربيين بطريقة هوليودية من داخل الرّقة، ومن داخل أبنيتها المختلفة، عندها أثارت الرأي العام الغربي بشكل غير مسبوق. ومع تتالي تحمل "داعش" مسؤولية الهجمات الإرهابية التي جرت في مدن أوروبية وأميركية مختلفة، مثل باريس وبروكسل، بدأت السياسة الأميركية تتغير جذريا في الطريقة الأمثل بالتعامل مع المسألة السورية، حيث نحت الإدارة الأميركية السابقة تركيزها على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد بحق المدنيين السوريين، وبدأت تركيزها السياسي والعسكري في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سورية، من دون التعامل مع النظام السوري بشكل مباشر.
عندما غيرت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما سياستها تجاه سورية، وقرّرت عدم التركيز أو إيلاء أي اهتمام لعملية الانتقال السياسي في العاصمة دمشق، والتركيز فقط على التخلص عسكرياً من "داعش" في الرّقة، وغيرها من المناطق التي سيطرت عليها في سورية، نشأ داخل الإدارة الأميركية نقاشٌ مطولٌ حول "الحلفاء" الذين يمكن الاعتماد عليهم في سورية، للتخلص من "داعش" من دون الاعتماد على حكومة النظام، فالوضع في سورية يختلف عن العراق، من حيث وجود حكومة مركزية في العراق تدعمها الولايات المتحدة، ويمكنها التعامل معها في جهودها للتخلص من "داعش"، فلم ترغب إدارة أوباما السابقة بالتعاون بأي شكل مع حكومة النظام السوري، وحاولت في البداية تسليح مقاتلين منشقين عن جيش النظام وتدريبهم، بهدف الاعتماد عليهم في القتال ضد "داعش"، لكن الفكرة منيت بهزيمة منكرة، مع رفض معظم مقاتلي الجيش الحر الانضمام إلى هذا التدريب، بحجة أنه يركز القتال ضد "داعش"، في حين يجد معظم المنشقين أن الأولوية كانت للتخلص من نظام الأسد الذي ارتكب معظم الجرائم، وقتل أكبر عدد من المدنيين، مقارنة مع "داعش" أو جبهة النصرة، أو غيرهما من التنظيمات الإرهابية.
هنا بدأت معركة عين العرب (كوباني) في سبتمبر/ أيلول 2014، فهذه المدينة، وأكثرية سكانها من الأكراد، خضعت لسيطرة وحدات حماية الشعب في يوليو/ تموز 2012 وهي المليشيا العسكرية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، أو بلغة أصح النسخة السورية من حزب العمل الكردستاني، الكردي- التركي، وأعلنها الحزب حينها كانتوناً تابعاً لما يسمّى الإدارة الذاتية الديمقراطية، باعتبارها جزءا مما يسميه "غرب كردستان" أو "كردستان سورية"، تعرّضت المدينة لهجوم كبير من تنظيم داعش في بداية سبتمبر/ أيلول 2014، ثم خضعت لحصار خانق من "داعش" الذي حاول الدخول إلى المدينة واستباحتها، لكنها قوبلت بصمود كبير من مليشيا وحدات الحماية الكردية التي تمكّنت، في النهاية، من فك الحصار عن المدينة، وتحريرها بشكل كامل من "داعش" بعد مساعدة قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. هنا بدأت الثقة الأولى بين الولايات المتحدة وقوات الحماية الكردية، فقد وجدت الولايات المتحدة في هذه القوات تدريبا عسكريا جيداً بحكم أنهم مقاتلون ذوو خبرة من حزب العمال الكردستاني في حربه ضد الحكومة التركية عقودا. وفي الوقت نفسه، تنسجم هذه المليشيا مع سياسة الولايات المتحدة سياسياً وأيديولوجياً في عدم الاصطدام عسكريا مع قوات النظام السوري، والتركيز فقط على قتال "داعش". وهنا، وجدت قوات الحماية الكردية أيضا هدفا استراتيجيا لها في توسيع نطاق النفوذ الكردي، أبعد من الكانتونات الثلاث التي سيطرت عليها بالتعاون مع النظام السوري في الحسكة وعفرين وعين العرب (كوباني). وهنا ركزت الولايات المتحدة على تحالفها مع قوات الحماية الكردية التي طلبت منها تغيير اسمها إلى ما يطلق عليها اليوم "قوات سورية الديمقراطية" لإعطاء انطباع أنها تضم قوات عربية عشائرية في حربها ضد "داعش".
وازداد الدعم الأميركي لقوات سورية الديمقراطية مع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض الذي قرّر إعطاء القيادات العسكرية القرار النهائي فيما يتعلق بإعطاء الأوامر بقصف الأهداف وتنفيذ الطلعات الجوية ضد الأهداف في سورية، كانت نتيجة ذلك مضاعفة القتلى المدنيين في الرّقة وغيرها بشكل كبير، المهم أن الرئيس ترامب استعجل النصر العسكري ضد "داعش" في سورية والعراق، وأعلن عن بدء العملية العسكرية ضد التنظيم في الرّقة، ودخلت الولايات المتحدة في شقاق علني مع الحكومة التركية التي تعتبر قوات الحماية الكردية منظمةً إرهابية، وضغطت على الولايات المتحدة من أجل الاعتماد على قوات المعارضة السورية المسلحة في عملية تحرير الرّقة، كما قامت بذلك من قبل في عملية درع الفرات، والتي أسفرت عن تحرير مدينة الباب من "داعش" بشكل كامل. ورفضت الولايات المتحدة العرض التركي، وقرّرت المضي في تسليح قوات سورية الديمقراطية، ودعمها جويا وعسكريا، في معركتها لتحرير الرّقة، حتى تمكنت بعد أكثر من خمسة أشهر من تحرير المدينة نهائيا، بعد السيطرة على الطبقة، وغيرها من المدن المحيطة بالرّقة. وأعلن البيت الأبيض النصر العسكري في هذا التحرير. وقال الرئيس ترامب، في بيانه، إن ذلك يعد "مرحلة مهمة في حملتنا الدولية لهزيمة داعش وأيديولوجيتها الشريرة"، ووعد بأن يكون ذلك مقدمة "لتحقيق الاستقرار والسلام الدائمين في سورية".
حظيت الرّقة بتركيز إعلامي غير مسبوق، عندما أعلنها "داعش" عاصمةً لخلافته المزعومة بعد السيطرة الكاملة عليها في 12 يناير/ كانون الثاني 2014، وبدأت تنفيذ إعداماتٍ حيةٍ بحق صحفيين وعمال إغاثة ومواطنين غربيين بطريقة هوليودية من داخل الرّقة، ومن داخل أبنيتها المختلفة، عندها أثارت الرأي العام الغربي بشكل غير مسبوق. ومع تتالي تحمل "داعش" مسؤولية الهجمات الإرهابية التي جرت في مدن أوروبية وأميركية مختلفة، مثل باريس وبروكسل، بدأت السياسة الأميركية تتغير جذريا في الطريقة الأمثل بالتعامل مع المسألة السورية، حيث نحت الإدارة الأميركية السابقة تركيزها على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد بحق المدنيين السوريين، وبدأت تركيزها السياسي والعسكري في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سورية، من دون التعامل مع النظام السوري بشكل مباشر.
عندما غيرت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما سياستها تجاه سورية، وقرّرت عدم التركيز أو إيلاء أي اهتمام لعملية الانتقال السياسي في العاصمة دمشق، والتركيز فقط على التخلص عسكرياً من "داعش" في الرّقة، وغيرها من المناطق التي سيطرت عليها في سورية، نشأ داخل الإدارة الأميركية نقاشٌ مطولٌ حول "الحلفاء" الذين يمكن الاعتماد عليهم في سورية، للتخلص من "داعش" من دون الاعتماد على حكومة النظام، فالوضع في سورية يختلف عن العراق، من حيث وجود حكومة مركزية في العراق تدعمها الولايات المتحدة، ويمكنها التعامل معها في جهودها للتخلص من "داعش"، فلم ترغب إدارة أوباما السابقة بالتعاون بأي شكل مع حكومة النظام السوري، وحاولت في البداية تسليح مقاتلين منشقين عن جيش النظام وتدريبهم، بهدف الاعتماد عليهم في القتال ضد "داعش"، لكن الفكرة منيت بهزيمة منكرة، مع رفض معظم مقاتلي الجيش الحر الانضمام إلى هذا التدريب، بحجة أنه يركز القتال ضد "داعش"، في حين يجد معظم المنشقين أن الأولوية كانت للتخلص من نظام الأسد الذي ارتكب معظم الجرائم، وقتل أكبر عدد من المدنيين، مقارنة مع "داعش" أو جبهة النصرة، أو غيرهما من التنظيمات الإرهابية.
هنا بدأت معركة عين العرب (كوباني) في سبتمبر/ أيلول 2014، فهذه المدينة، وأكثرية سكانها من الأكراد، خضعت لسيطرة وحدات حماية الشعب في يوليو/ تموز 2012 وهي المليشيا العسكرية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، أو بلغة أصح النسخة السورية من حزب العمل الكردستاني، الكردي- التركي، وأعلنها الحزب حينها كانتوناً تابعاً لما يسمّى الإدارة الذاتية الديمقراطية، باعتبارها جزءا مما يسميه "غرب كردستان" أو "كردستان سورية"، تعرّضت المدينة لهجوم كبير من تنظيم داعش في بداية سبتمبر/ أيلول 2014، ثم خضعت لحصار خانق من "داعش" الذي حاول الدخول إلى المدينة واستباحتها، لكنها قوبلت بصمود كبير من مليشيا وحدات الحماية الكردية التي تمكّنت، في النهاية، من فك الحصار عن المدينة، وتحريرها بشكل كامل من "داعش" بعد مساعدة قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. هنا بدأت الثقة الأولى بين الولايات المتحدة وقوات الحماية الكردية، فقد وجدت الولايات المتحدة في هذه القوات تدريبا عسكريا جيداً بحكم أنهم مقاتلون ذوو خبرة من حزب العمال الكردستاني في حربه ضد الحكومة التركية عقودا. وفي الوقت نفسه، تنسجم هذه المليشيا مع سياسة الولايات المتحدة سياسياً وأيديولوجياً في عدم الاصطدام عسكريا مع قوات النظام السوري، والتركيز فقط على قتال "داعش". وهنا، وجدت قوات الحماية الكردية أيضا هدفا استراتيجيا لها في توسيع نطاق النفوذ الكردي، أبعد من الكانتونات الثلاث التي سيطرت عليها بالتعاون مع النظام السوري في الحسكة وعفرين وعين العرب (كوباني). وهنا ركزت الولايات المتحدة على تحالفها مع قوات الحماية الكردية التي طلبت منها تغيير اسمها إلى ما يطلق عليها اليوم "قوات سورية الديمقراطية" لإعطاء انطباع أنها تضم قوات عربية عشائرية في حربها ضد "داعش".
وازداد الدعم الأميركي لقوات سورية الديمقراطية مع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض الذي قرّر إعطاء القيادات العسكرية القرار النهائي فيما يتعلق بإعطاء الأوامر بقصف الأهداف وتنفيذ الطلعات الجوية ضد الأهداف في سورية، كانت نتيجة ذلك مضاعفة القتلى المدنيين في الرّقة وغيرها بشكل كبير، المهم أن الرئيس ترامب استعجل النصر العسكري ضد "داعش" في سورية والعراق، وأعلن عن بدء العملية العسكرية ضد التنظيم في الرّقة، ودخلت الولايات المتحدة في شقاق علني مع الحكومة التركية التي تعتبر قوات الحماية الكردية منظمةً إرهابية، وضغطت على الولايات المتحدة من أجل الاعتماد على قوات المعارضة السورية المسلحة في عملية تحرير الرّقة، كما قامت بذلك من قبل في عملية درع الفرات، والتي أسفرت عن تحرير مدينة الباب من "داعش" بشكل كامل. ورفضت الولايات المتحدة العرض التركي، وقرّرت المضي في تسليح قوات سورية الديمقراطية، ودعمها جويا وعسكريا، في معركتها لتحرير الرّقة، حتى تمكنت بعد أكثر من خمسة أشهر من تحرير المدينة نهائيا، بعد السيطرة على الطبقة، وغيرها من المدن المحيطة بالرّقة. وأعلن البيت الأبيض النصر العسكري في هذا التحرير. وقال الرئيس ترامب، في بيانه، إن ذلك يعد "مرحلة مهمة في حملتنا الدولية لهزيمة داعش وأيديولوجيتها الشريرة"، ووعد بأن يكون ذلك مقدمة "لتحقيق الاستقرار والسلام الدائمين في سورية".