تحية ونقطة نظام إلى روجر ووترز
أصابت توفيقا كثيرا لجنة تحكيم جائزة محمود درويش للإبداع (برئاسة الروائي الجزائري واسيني الأعرج) في إعلانها، الأسبوع الماضي، اسم المؤلف الموسيقي والمغنّي وعازف الغيتار والناشط البريطاني، روجر ووترز (79 عاما)، عن فئة الفائز العالمي (الفلسطيني فيصل درّاج، والعربي صبحي حديدي وفاروق مردم بيك، مناصفة) في دورة الجائزة للعام 2022. وصحّت إشارتها إلى مواقف ووترز "الشجاعة والواضحة تجاه فلسطين، وشعبها المقاوم ضد كل أشكال الاستسلام، سواء من خلال أعماله الاحتجاجية ضمن حركة مقاطعة إسرائيل، أو ندائه لفنّاني العالم للامتناع عن تنظيم حفلات في إسرائيل، لأنها دولة احتلال". وجاءت اللجنة، في بيانها، على غناء ووترز قصائدَ لدرويش، وعلى احتجاجه بقوةٍ إثر إعلان الرئيس الأميركي السابق، ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل، وعلى اعتباره إسرائيل دولة فصل عنصري بعد اعتداء جيش الاحتلال على حي الشيخ جرّاح في القدس. ومآثر مثل هذه تسوّغ تثنيةً على لجنة التحكيم، لوفائها للمعاني التي تشتمل عليها جائزة تحمل اسم شاعر فلسطين الأبرز. وقد ضاعف من استحقاقه نيلَه الجائزة، إشهار المناضل الفنان، روجر ووترز، مجدّدا، في كلمته المسجّلة إلى حفل تكريم الفائزين في رام الله، استمرارَه في دعم نضال شعب فلسطين، وتبرّعه بالقيمة المادّية للجائزة (12 ألف دولار) لصالح "فنانٍ أو فرقةٍ تقدّم عملا مبتكرا يعكس روح المقاومة" في بادرةٍ تنمّ عن مناقبيةٍ عاليةٍ لدى الفنان الشهير (في سابقةٍ ثانيةٍ بعد تبرّع الروائي السوري، خليل النعيمي، بقيمة الجائزة التي مُنحت له، في دورة 2018، إلى جمعية نادي الأسير الفلسطيني)، بل وزاد ووترز على هذا إعلانه تبرّعه السنوي ب 12 ألف دولار لفنانٍ (أو فرقةٍ فلسطينية) ينجز عملا في الأفق نفسه.
يُحسب روجر ووترز من أهم الملحنين في موسيقى الروك منذ عقود، وانتصارُه لفلسطين ونضال شعبها موصولٌ بنشاطه المناهض للظلم والحروب والاستعمار، على ما دلّت مشاركاتُه وأنشطتُه سنواتٍ في الفرقة التي كان من مؤسسيها وأبرز عناصرها (بينك فلويد)، قبل مغادرته لها وبعده، في مناسباتٍ عديدةٍ في أوروبا وغيرها، وليس منسيا رفضه الحرب الأميركية على العراق، وهو الذي قُتل والده في الحرب العالمية الثانية. وفي انتسابه إلى هذا الأفق الإنساني الذي يضع فلسطين في مقدّمة قضاياه، يكون لروجر ووترز مكانه بين أعلامٍ عديدين من أهل الآداب والفنون في العالم ظلوا أصدقاء فلسطين، وناصروها قولا وفعلا، ومن بين مئاتٍ منهم سنوات، الروائي السويدي هننغ مانكل (توفي في 2015) الذي شارك في غير رحلةٍ في سفن كسر الحصار على قطاع غزّة، والمسرحي الفرنسي جان جينيه (1986) الذي جال في قواعد الفدائيين الفلسطينيين في الأردن (صاحب كتاب "أسير عاشق")، والروائي الإسباني خوان غويتسولو (2017) والنجمة البريطانية فينسيا ردغريف، والشاعر اليوناني يانيس ريتسوس (1990)، والفيلسوف الفرنسي إيتان باليبار، وغير هؤلاء بلا عدد، تلمع أسماؤهم في فضاءٍ إنسانيٍّ رحب، ويجمعهم عنقود فلسطين.
والثناء المستحق، أعلاه، للجنة تحكيم جائزة محمود درويش، وكذا تثمين فن روجر ووترز ورفعه العلم الفلسطيني في عديدٍ من حفلاته الغنائية، لا يمنعان، ولا يجوز أن يمنعا، إشهار نقطة نظامٍ إلى العازف المناضل، موجزُها أن دفاعه عن نظام بشار الأسد يثلم صورَته، ويخصم من رصيده المحترم، ويغيّب بديهية أن التضامن مع فلسطين وشعبها يعني، بالضرورة، إسناد كل شعبٍ مستهدفٍ بالتنكيل من سلطات الاستبداد، كما الشعب السوري الذي يرزح، منذ عقود، في هذا الحال، ويتعرّض منذ 11 عاما لصنوفٍ من شناعات الفتك. وعندما لا يرى روجر ووترز هذا بناظريْه، بل ويجهَر، في غير حفلةٍ ومناسبة، بتبرئة نظام بشار الأسد (يسمّيه باسمه!) من هذه الجرائم، فإنه يخطئ كثيرا، ويسيء لإسمه، ويخالف القيم التي يعتنقها في نصرته فلسطين وشعبها. ولمّا كان ليس وحدَه يفعل هذا من بين فنانين ومثقفين أوروبيين، وفي ظنّه (وظنونهم) أن الأسد إنما يحارب جهاديين وإرهابيين، فلا معنى لهذا سوى أن التضليل ونقصان المعرفة يتوطّنان في مدارك صاحبنا روجر (يبقى صاحبَنا) وغيرِه. وفي ظن كاتب هذه الكلمات، بعضُ المسؤولية في هذا على النخب السورية المعارضة المثقفة، في انعدام حضورها الإعلامي في مؤسسات الغرب، وفي غياب تشبيكها مع أوساطٍ أوروبية مدنية عديدة .. وهذا حديثٌ يطول، والمقام هنا نقطةُ نظام مسبوقةٌ بتحيةٍ إلى روجر ووترز وحسب.