تخبط إسرائيلي قبيل مفاوضات فيينا
من يتابع التصريحات والمواقف العلنية للمسؤولين الإسرائيليين بشأن استئناف المحادثات مع إيران، للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، لا يمكنه ألا يلاحظ التخبط وعدم اليقين وغياب رؤية استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع هذا الملف الشائك والصعب في آن. من أهم أسباب هذا التخبط إشكالية التعامل مع المساعي الدبلوماسية الأميركية للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. ثمّة قناعة إسرائيلية راسخة بأن الإدارة الأميركية الجديدة تريد التوصل في أقرب وقت إلى اتفاق مع إيران، ومستعدّة لتقديم تنازلات على صورة اتفاق جزئي، يؤدي إلى رفع جزء من العقوبات المفروضة على إيران، مقابل قبول إيران بالحد من عمليات تخصيب اليورانيوم لا أكثر، الأمر الذي ترفضه إيران، حتى اللحظة، وتتخوف منه إسرائيل.
تشكّك إسرائيل كثيراً بصدق نيات إيران، وتعتبر عودتها إلى المفاوضات من باب المماطلة واستغلال الوقت لمواصلة العمل في منشآتها النووية، وفي تخصيب اليورانيوم على درجة عالية، وتكديس كميات تكفيها لإنتاج قنبلتها الأولى، عندما تتخذ قيادتها السياسية قراراً بذلك. في الخلاصة، الإسرائيليون مقتنعون بأن إيران ستستغل المفاوضات، كي تصبح دولة "على عتبة النووي"، مع كل ما يحمل ذلك من تداعياتٍ على إسرائيل، الدولة الوحيدة التي تمتلك قدرات نووية فعلية في المنطقة.
أمام هذا الوضع، تجد إسرائيل نفسها أمام معضلةٍ حقيقيةٍ، فهي من جهة لا تريد، وليست قادرةً على الدخول في خلاف علني مع إدارة الرئيس جو بايدن، مثلما فعل بنيامين نتنياهو أيام ولاية باراك أوباما. وفي الوقت عينه، من الصعب عليها القبول بالمسار الدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي تطالب الإدارة الأميركية بتقديم توضيحات بشأن الاستراتيجية التي يمكن أن تنتهجها في حال لم تثمر المفاوضات عن نتائج ملموسة.
إسرائيل أمام معضلة فعلية، فهي غير قادرة فعلاً على رفض المساعي الأميركية للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران
هذه الإشكالية في التعامل مع المسعى الدبلوماسي الأميركي مع ملف المفاوضات النووية جعلت التصريحات الرسمية الإسرائيلية تتأرجح بين التشديد على أهمية التعاون والحوار والتفاهم مع إدارة بايدن في هذه المرحلة الحساسة من جهة، والمواقف النقدية للتوجّه الأميركي والتلويح بأن إسرائيل مضطرّة إلى إعداد خيار آخر عسكري، لمواجهة خطر تحول إيران إلى دولة نووية، حتى من دون دعم أميركي من جهة أخرى.
يضع ذلك كله إسرائيل أمام معضلة فعلية، فهي غير قادرة فعلاً على رفض المساعي الأميركية للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، بعد الثمن الباهظ للسياسة المعارضة الخاطئة أيام نتنياهو الذي اقنع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووي، وكان الثمن عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم بسرعة كبيرة، والسير الحثيث نحو القنبلة، من دون أن تتمكّن إسرائيل في هذه الأثناء من تطوير رد فعلي على هذا الخطر.
الأخطر أن تلويح إسرائيل بخيار عسكري في حال فشلت المفاوضات أو التوصل إلى اتفاق لا تقبل به إسرائيل يطرح أيضاَ علامة سؤال كبيرة: هل فعلاً تملك إسرائيل حالياً خياراً عسكرياً لمواجهة البرنامج النووي الإيراني؟ هنا أيضاَ يبرز الغموض وعدم اليقين. على سبيل المثال، قبل أيام فقط، اعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، بأنه فوجئ لدى تسلمه منصبه بأنه لم يجد في مواجهة التهديد النووي الإيراني سوى كلام ولم يجد أفعالاً ولا خططاً، منتقداً سلفه نتنياهو الذي كان طوال أعوام يصرخ ويهدد، لكنه على ما يبدو لم يترك خططاً عسكرية فعلية. وقال رئيس الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، أخيرا، إن الجيش يكثف استعداده لإمكانية شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، ما يعني ضمناً أن الخطط العسكرية لم تستكمل بعد.
هناك من يرى في إسرائيل أن على الإسرائيليين التعوّد على فكرة العيش مع إيران دولة على عتبة النووي، في حال فشلت محادثات فيينا
ويتضح أكثر من مواقف مسوؤلين أمنيين سابقين وتحليلاتهم، مثل رئيس الموساد السابق، تامير فوردو، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يادلين، أنه لا توجد خطة عسكرية واضحة المعالم، ففي رأي فوردو إيران دولة "تنتمي إلى الحلقة الثالثة وإذا لم نكن قادرين على الإمساك بها كما أمسكت الولايات المتحدة بالعراق يمكن أن نجد أنفسنا في مكان سيئ". وحدها افتتاحية صحيفة هآرتس، المستقلة، كانت صريحة وواضحة في الإجابة عن هذا السؤال، عندما كتبت أن كل الكلام عن خيار عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني "كذب وتضليل للجمهور الإسرائيلي". وتجزم الصحيفة أنه ليس هناك خطة واقعية لمهاجمة إيران، وأن الاتفاق معها هو الحل الوحيد.
سؤال آخر، هل رئيس حكومة مثل نفتالي بينت الذي لا يملك ما يكفي من الخبرة الأمنية، ويمثل حزباً لا يتعدى تمثيله سبعة مقاعد في الكنيست، يمكنه عند الضرورة أن يتخذ قراراً مصيرياً من هذا النوع؟ في رأي رئيس لجنة الدفاع والأمن في الكنسيت القرار لن يكون فردياً، وهو سيكون الخيار الأخير، بعد أن يتضح أن لا مفر منه.
يشير ذلك كله إلى أن المرحلة المقبلة ستكون بمثابة اختبار متعدّد الأبعاد بالنسبة إلى إسرائيل، فهي ستضع على المحكّ علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة. وستكون اختباراً لجدّية تهديداتها باللجوء إلى الخيار العسكري، في حال فشلت المفاوضات أو في حال التوصل إلى اتفاق لا يهدئ المخاوف الإسرائيلية الكثيرة.
على الرغم من هذا كله، هناك من يرى في إسرائيل أن على الإسرائيليين التعوّد على فكرة العيش مع إيران دولة على عتبة النووي، في حال فشلت محادثات فيينا، لأن ذلك سيكون أقل خطراً من هجوم عسكري إسرائيلي محفوف بالمخاطر وغير مضمون النتائج.