ترامب .. الخاتمة المثالية
لم يكن بالإمكان تخيل نهاية أفضل من التي حدثت للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعد اقتحام أنصاره الكونغرس، وما تبع ذلك من استقالات وإدانات ومساعٍ لعزل الرئيس في الأيام العشرة الأخيرة من ولايته. منذ بداية حكمه، كان من الواضح أن رئاسة ترامب غير مسبوقة في الولايات المتحدة، وما راكمته شعبويته من تأييد جماهيري ما كان ليمضي من دون تداعيات خطرة على مستقبل الولايات المتحدة. وحتى مع خسارته الانتخابات أخيرا، وفي ظل هذه الشعبية، كان الحديث عن أن ترامب قد يعود في الانتخابات المقبلة أقوى، فالمسار الذي خطّه لم يكن لينتهي مع خروجه من البيت الأبيض ودخول خلفه جو بايدن، وأن ظلّ ما يمكن تسميتها "الترامبية" سيبقى ملقياً بثقله على السياسة الأميركية، وتحديداً داخل الحزب الجمهوري.
غير أن ذلك كله بات من الماضي بعد "غزوة الكونغرس"، والتي قضت نهائياً على أي دور سياسي قد يلعبه دونالد ترامب في الحزب الجمهوري مستقبلاً، وكبّلته في أيامه الأخيرة في الحكم، خصوصاً أن المخاوف كانت قائمة من أن "جنون العظمة" لدى هذا الرئيس قد يدفعه إلى خطوةٍ جنونيةٍ عبر توريط الولايات المتحدة في حربٍ مع إيران أو غيرها، في محاولة لعدم الخروج من البيت الأبيض. الأمر هذا تداركه الديمقراطيون، بعد "الأربعاء الأسود"، عبر التواصل مع شخصيات في رئاسة الأركان الأميركية لعدم التجاوب مع ترامب في أي خطوة مماثلة قد يحاول القيام بها.
غير أن هذه المشاهد من نهاية ترامب، على أهميتها، ليست الختام، فيبدو أن هناك المزيد من الحلقات في الطريق، بدأت إحداها أول من أمس حين قرّرت إدارة موقع "تويتر" إغلاق حساب الرئيس الأميركي على موقع التغريدات الشهير، والذي كان سلاحه الأمضى منذ ما قبل الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة، وخلال الفترة التي حكم فيها. خطوة "تويتر" سبقتها أخرى مماثلة من موقعي "فيسبوك" و"إنستغرام"، ما جعل ترامب معزولاً عن العالم الخارجي، وغير قادر على الدفاع عن نفسه، في حال كان لديه ما يدافع به عن نفسه، أو حتى مخاطبة أنصاره في حال أراد العودة إلى فكرة التجييش التي قام بها خلال اقتحام الكونغرس، وهو كان قد بدأ بذلك بالفعل حين استغل فترة ما قبل الحظر في "تويتر" لإعادة التركيز على أهمية دور الذين انتخبوه في المرحلة المقبلة من مستقبل الولايات المتحدة.
العزل على مواقع التواصل الاجتماعي، وداخل إدارته بعد الاستقالات الكثيرة التي تلت اقتحام الكونغرس، ليس كل شيء، في ظل الحديث حالياً عن مساعٍ لعزل الرئيس من منصبه دستورياً. المفارقة تكمن في أن هذه المساعي بدأت منذ انطلاق عهد ترامب، وسط الكم الهائل من المعطيات التي كانت تشير إلى أن هذا الرئيس يسيء استخدام السلطة، غير أن ترامب نجح في الإفلات من مقصلة العزل في المرة الأولى، وعمد إلى تصوير الحملة ضده كأنها "مطاردة ساحرات"، وهو ما لاقى أصداء لدى أنصاره ومؤيدي الحزب الجمهوري. غير أن هذه المرة مختلفة، وحتى إن أفلت من خطوات العزل، بسبب ضيق الوقت إذ لم يبق إلا عشرة أيام من حكمه، إلا أن الإجماع القائم على الفكرة، حتى بين نواب ومسؤولين من داخل الحزب الجمهوري، يحمل مفعول تحقيق هذه الخطوة، وهو ما يدركه ترامب نفسه الذي بات يشعر أنه منبوذ، لذا قرر التغيب عن تنصيب جو بايدن وأن يحل بدلاً منه نائبه مايك بنس، وكأن الأخير بات القائم بأعمال الرئيس الأميركي في هذه الأيام الأخيرة.
هي نهاية مثالية فعلاً لرئيس أميركي يحمل خليطاً من الجنون والغباء والتهور لم تشهده الولايات المتحدة من قبل. وحتى تفكيره في استغلال ما خلّفه من شعبية في محاولة للمضي في طريق السياسة، وإن من خارج الحزب الجمهوري، لن يكون ممكناً، خصوصاً أن مساعي المحاسبة القانونية لن تتوقف مع خروجه من البيت الأبيض.