تساؤلات مقلقة تسبق الانتخابات النيابية في الأردن
بدأت الحملات الانتخابية في الأردن تملأ الشوارع في العاصمة عمّان ومختلف محافظات المملكة، وتتولَّى عملياتِ الإشهار والإقلاع للقوائم الحزبية على صعيد الوطن الأحزابُ السياسية، بالتزامن والتوازي مع القوائم المحلية على مستوى المحافظات، في انتخاباتٍ يُفترَض أن تكون منعرجاً تاريخياً للتطوّر السياسي في البلاد، واختباراً قوياً لمدى إمكانية الانتقال في العملية السياسية بأسرها نحو العمل الحزبي، وتداول السلطة بين الحكومات على هذه القاعدة.
إذا تجاوزنا الأسئلةَ التي تحيط باليوم التالي للانتخابات، وهي كبيرةٌ وكثيرةٌ، وتوقّفنا عند تساؤلات ما قبل الانتخابات، فهي لا تقل أهمّيةً عن سابقتها، وتغلّف (هذه التساؤلات) العديدَ من الهواجس والتحدّيات المحيطة بمجريات الانتخابات المقبلة، والتي يفصلنا عنها أقلّ من شهر (10 سبتمبر/ أيلول)، ولعلّ السؤال الأكثر أهمّية يتمثّل في الوطأة الثقيلة للحرب الإسرائيلية على غزّة على العملية الانتخابية.
كان النقاش في دوائر القرار سابقاً عمّا إذا كان يُفترَض إجراءُ الانتخابات أو تأجيلها بسبب الظروف الإقليمية الحالية، وانتصر الموقف الذي يُؤيّد التأجيل، لكنّ ذلك كان ضمن دائرة توقّعات مُختلفةٍ، تذهب إلى أنّ الحرب لن تستمرّ حتّى الشهر المقبل من جهة، وأنّ المخاوف كانت مرتبطةً بشعبية جماعة الإخوان المسلمين، التي قد ترتفع بصورة كبيرة للترابط بينها وبين حركة حماس، من جهةٍ ثانية، وعلى عدم توقّع توسّع الحرب وامتدادها إلى المنطقة، لكن ماذا لو أنّ الحرب فعلاً امتدّت، ونفّذت إيران ضربةً عسكريةّ وردّت إسرائيل، وأصبح الأردن وسط إقليم مُلتهِب بالحروب، وربّما جزءاً منها (من خلال الصواريخ أو المُسيَّرات التي قد تحاول اختراق الأجواء الأردنية من هنا أو هناك). عندها، هل سيتستمرّ الإصرار على الانتخابات وعقدها كيفما اتفق؟!
السؤال الأكثر أهمّية يتمثّل في الوطأة الثقيلة للحرب الإسرائيلية على غزّة على العملية الانتخابية
يواجه سيناريو إجراء الانتخابات وسط المناخ الإقليمي المشحون بالصراع العسكري وتداعياته مجموعة من الإشكالات؛ أولاً لن تكون الأحزاب السياسية قادرةً في حملاتها الانتخابية على مخاطبة الناخب الأردني، الذي سيكون بطبيعة الحال شاردَ الذهن نحو ما يحدُث في الجوار، ما سينعكس على قدرة الأحزاب خلال الفترة القصيرة المتبقّية على بناء قواعدَ شعبيةٍ وجماهيريةٍ للتصويت لها، بخاصّة أنّ هنالك مشكلةً قبل ذلك تتمثّل في العمر القصير لأغلب الأحزاب السياسية الجديدة، المُقرَّبة من الخطّ الرسمي أو التي تمثّل شرائحَ اجتماعيةً تميل إلى الجانب المُحافظ أو الوسطي سياسياً، والطرف الوحيد الذي ستصبّ هذه الظروف في صالحه هو جماعة الإخوان المسلمين (!)
يقودنا ذلك إلى التساؤل الثاني؛ فلو افترضنا أنّ الظروف الإقليمية تجمّدت عند هذه الحدود من التوتّر، أو تراجعت نحو الهدوء، فإنّ هنالك هواجسَ حقيقيةً لمدى تأثير الحرب في غزّة على نسب الاقتراع والتصويت. ثمَّة توقّعاتٌ تذهب إلى أنّ الحراك الحزبي، بخاصّة في المحافظات المختلفة، والقائمة الوطنية، قد يرفعان نسبَ الاقتراع بدرجة محدودة تصل إلى 35% في أفضل التوقّعات، لكنّ هنالك في المقابل قراءاتٌ تتخوّف من هبوطٍ حادٍّ وملحوظٍ بسبب العزوف نتيجةَ الظروف الإقليمية، وعدم قناعة شريحةٍ اجتماعيةٍ في المدن الكبرى بجدّية العملية الحزبية، والحديث عن نسبة قد تصل إلى 23%، وهي نسبةٌ منخفضةٌ جدّاً، وتُشكّل صدمةً للجميع، بخاصّةً لبواكير هذا المسار الجديد المُفترَض لتكريس العمل الحزبي في قلب العملية السياسية.
في الطرف الآخر، يكمن التساؤل بشأن النسبة التي يمكن أن تحصل عليها جماعة الإخوان المسلمين، المفترض أنّها تمثّل المُعارَضةَ الرئيسية، فبين اتجاه يتخوّف من مفاجأة كبيرة وتحقيق نتائج غير مسبوقة (كما حدث في الجامعة الأردنية على صعيد القائمة الجامعية عندما حصل التيّار الإسلامي على نصف عدد الأصوات)، وهنالك توقّعات، حتّى في داخل الحركة، لا تتوقّع مفاجأةً كبيرةً، بل ترى أنّ أفضل ما يمكن أن تحصل عليه الحركة في القائمة الوطنية لا يتجاوز ما بين ثمانية إلى تسعة مقاعدٍ، ومثلها أو أقلّ في القوائم المحلّية، ما يعني أقلّيةً محدودةً في مجلس النواب المقبل. ولعلّ هذا يقود إلى التساؤل عمّا ستحصل عليه الأحزاب، التي يُتوقَّع أن تكون المنافسَ الأكثر شراسةً لـ"الإخوان"، وربّما تتجاوز حصّة الجماعة، والمقصود هنا حزبا الميثاق الوطني وإرادة، وكلاهما، بالرغم من المدّة القصيرة، تمكَّنا من بناء قواعدَ حزبيةٍ سريعةٍ تستند إلى بنيةٍ اجتماعيةٍ ممتدَّة بين المحافظات، ويمثّلان التيّار المحافظ بألوانه المختلفة (يمين الوسط أو يسار الوسط، كما تصف الأحزابُ نفسها هُويَّتَها السياسية، بالرغم من أنّ البرامج الانتخابية لا تشي بفروق جوهرية في هُويَّتِها السياسية والفكرية!)، تليها أحزاب أخرى مثل الحزب الوطني الإسلامي (تشكّل من مجموعات من المنشقّين عن "الإخوان، وآخرين من حزبَي زمزم والوسط الإسلامي)، وحزب تقدّم، ثمّ مجموعة من الأحزاب التي قد تتمكّن من اجتياز العتبة الحزبية (مثل حزب العمّال، وحزب عزم، وتحالف نماء والعمل، والاتحاد الوطني...).
يرتبط عددُ الأصوات المطلوبة للعتبة بنسبة التصويت والمشاركة في الانتخابات النيابية، وكلّما انخفضت النسبة كان ذلك مُحفّزاً للأحزاب الصغيرة للحصول على مقاعدَ في البرلمان، والعكس صحيح. وفي الأغلب، لا يُتوقَّع أن تتجاوز أكثر من ثمانية أحزاب سياسية، أو تحالفات حزبية، العتبة في مستوى القائمة الوطنية، وهذا جيّدٌ لتخفيف عدد الأحزاب بعد الانتخابات، لأنّ نظام تمويل الأحزاب ربط التمويل بالمشاركة والحصول على مقاعدَ في مجلس النواب، في محاولة للحدّ من ظاهرة "الدكاكين الحزبية" (كانت منتشرةً خلال الأعوام السابقة).
يتخوّف اتجاه من تحقيق الإخوان نتائجَ غير مسبوقة، كما في الجامعة الأردنية حين حاز الإسلاميون نصف عدد الأصوات
التساؤل الآخر عن حجم المال الأسود (الرشوة الانتخابية) في الانتخابات المقبلة، بعدما أثيرت نقاشات وشكاوى عديدة في ما يتعلّق بتدخّل المال في تشكيل القوائم والمراكز المُتقدّمة فيها، هنالك خشيةٌ من أن يطغى هذا المال على الانتخابات، ومن شراء الأصوات، بخاصّة في المناطق الشعبية والمُهمَّشة التي تعاني الفقرَ وارتفاعَ الأسعار، وهو ما يرتبط بجدلية كبيرة بشأن ما إذا كانت عمليات ضبطٍ شديدةٍ، وملاحقة قانونيةٍ وأمنيةٍ واسعةٍ وقاسيةٍ لمافيات شراء الأصوات، ستنعكس في الحدّ من نسب الاقتراع، وهي بالمناسبة ظاهرةٌ طبيعيةٌ في الدول التي ما زالت تحبو في المسار الديمقراطي، يربطها المُنظّر السياسي – السوسيولوجي تشارلز تيلي بعملية "إدماج شبكات الثقة"، التي تكون بدايةً بعيدةً عن اللعبة والعملية الديمقراطيتين في هذا النمط من الدول.
تستبطن هذه التساؤلات السيناريو الأفضل (لدى مطبخ القرار)، المتمثّل في انخفاض حدّة التوتّر الإقليمي، والوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزّة، وتركيز الأحزاب على الحملات الانتخابية، والوصول إلى نسبة تصويت معقولة تتجاوز النسب السابقة، ومشاركة المُعارضة بفعّالية، وحصولها على مقعد "أقلية" في مجلس النواب، وتمكّن الأحزاب الأخرى من المنافسة القوية مع المُعارَضة، والحصول على عددٍ مريحٍ من المقاعد، وانعكاس ذلك على تشكيلة مجلس النواب المقبل. والعكس صحيح في ما يتعلّق بالسيناريو الأسوأ.