تطبيع مُتحرِّش

11 سبتمبر 2022

مغاربة يتظاهرون في الرباط ضد التطبيع بعد فضيحة البعثة الإسرائيلية (9/9/2022/فرانس برس)

+ الخط -

يقول المثل المغربي "ما قْدُّو فيل، زادوه فيلة" بمعنى "لم يكفه الفيل، فزادوه فيلة"، حيث يُحكى أنّ حاكماً مرّ بقرية، وجزاء لهم على حسن الاستقبال أهداهم فيلاً، وأمرهم بالاعتناء به، أتى الفيل على الأخضر واليابس. ولما أنهك الفيل أهل القرية، قرّروا التخلص منه وإرجاعه إلى صاحبه، فشكلوا وفداً برئاسة شيخ القرية لهذا الغرض. وصل الوفد عند الحاكم الظالم فوجدوه في غضب شديد، خافوا من بطش الحاكم فتسللوا هاربين، استدار الشيخ فوجد نفسه وحيداً أمام الحاكم الذي سأله: ما جاء بك؟ فقال: "الفيل، يا سيدي، الفيل". رد الحاكم صارخاً: "ماذا به؟ أرجو ألا يكون قد أصابه مكروه" فردّ المسكين: "لا بالعكس، هو في حالة جيدة لكن تنقصه عيثوم (فيلة) أنثى كي تؤنسه" وهكذا كان.

يُضرب هذا المثل الرائج في المغرب عندما تحِلّ بلوى بقوم فيبتغون التخلص منها، فإذا بهم بما هو أمرّ، وهو يلخص لسان حال المغاربة وهم يتحدّثون عن فضيحة البعثة الإسرائيلية في الرباط التي تورّط فيها عديدون من موظفيها، وفي مقدمتهم رئيس مكتب الاتصال، ديفيد غوفرين، في قضايا فساد مالي وأخلاقي وسياسي، ما دفع وزارة خارجية الاحتلال إلى استدعائه للنظر في الشبهات حوله، وهي كثيرة، كما أرسلت وفد تحقيق إلى المغرب، يترأسه المفتش العام للوزارة، ما يعطي الانطباع أنّ حجم الفضيحة أكبر مما يتصوّر.

الفضيحة التي كشفتها عدة صحف عبرية ومغربية، وسكت عنها الإعلام الرسمي المغربي، وأدّت إلى إعفاء عدة موظفين، لم تكن لتطفو إلى السطح لولا شدة الخصام والنزاع بين أفراد مكتب الاتصال الصهيوني في المغرب، ما أدّى إلى فضح بعضهم لبعض انتقاماً، وعندما يتعارك اللصوص تنكشف الجريمة، فقد تبيّن أنّ الفضيحة تُخفي حزمة فضائح متسلسلة، بدءاً باستغلال النفوذ السياسي، مروراً بالاستغلال الجنسي، وانتهاء بالاستغلال المالي والسرقة والاختلاس.

 لم يجنِ المغرب أي طائل من تطبيعٍ مع كيان اعترف به المغرب ولم يعترف هو بمغربية الصحراء

ليس غريباً أن يقوم غوفرين بما قام به، فهو الذي لم يكُفَّ عن التحرش السياسي والجنسي منذ وصوله إلى المغرب. أما عن التحرّش السياسي فقد هاجم رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، هجوماً لاذعاً في مايو/ أيار2021 في تغريدة في "تويتر"، متهماً إياه بدعم تنظيمات إرهابية، ويقصد المقاومة الفلسطينية الباسلة، ما دفع صحفاً مغربية مقرّبة من الدولة المغربية إلى انتقاده والردّ عليه، مدافعين، على غير العادة، عن العثماني، ما يعطي الانطباع أنّ الإشارة جاءت من فوق لإيقاف غوفرين عند حدّه، لكنّه لم يستح، ولم تتوقف وقاحته التي وصلت إلى حد محاولة لَيِّ ذراع الرباط بإعلان نفسه سفيراً رسمياً لإسرائيل، من دون أي احترام للقواعد الدبلوماسية والأعراف الدولية، ففي تغريدة له يوم العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كتب: "أتشرف أن أشارك متابعي وأصدقائي من جميع أنحاء العالم خبر تعييني سفيراً رسمياً لدولة إسرائيل بالمغرب" لكنّها كانت مناورة فاشلة، إذ ظهر كذبه، بالرغم من الصمت المغربي الرسمي.

أما عن التحرّش الجنسي، فقد تواترت الأخبار بِشأنه، إذ يبدو أنّ الرجل مهووس بالنساء، وكان يستغل منصبه للتحرّش بهن واستغلالهن أينما حلّ وارتحل، فقد تحرش بعاملات في فندق أقام فيه عدة أشهر، وطُردت إحداهن لمّا اشتكت منه. وعلى الرغم من علم وزارة خارجية إسرائيل بالموضوع منذ ما يزيد عن سنة، بعد تلقيها شكاية من إحدى ضحايا الذئب المفترس، لم تفعل أي شيء. وستبدي لنا الأيام المقبلة ما خفي، وقد يكون أعظم.

يبدو أنّ رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب مهووس بالنساء

الغريب في الأمر سكوت المغرب الرسمي، فلم يصدر أي بيان عن الحكومة المغربية، وكأن شيئا لم يحدث، بل كان جواب الناطق باسمها أقبح من ذنب عندما ردّ على أسئلة الصحافيين: "إنّ مجلس الحكومة لم يناقش أو يتداول في هذا الموضوع"، وكأنّ كرامة المغربيات لا تعني أي شيء بالنسبة لحكومة عزيز أخنوش التي احتفلت يوم 8 سبتمبر/ أيلول الجاري بالذكرى الأولى لانتصارها الكبير والمباغت السنة الماضية، وكان يكفيها التعليق بطريقة ذكية في موضوع جد حسّاس، من المؤكّد أنّ الأجهزة الأمنية المغربية تعرف خباياه وتفاصيله.

عدا اعتراف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بمغربية الصحراء، لم يجنِ المغرب أي طائل من تطبيعٍ مع كيان اعترف به المغرب ولم يعترف هو بمغربية الصحراء، بل ما فتئ غوفرين يساوم ويتاجر بقضية المغرب الأولى. وإذا كان التعاون الأمني والعسكري قد يفيد المغرب، حسب دوائر مطلعة، فإن المغرب في غنىً عن ذلك، خصوصاً أنّه لا يعدم حلولاً أخرى، فالمغرب الذي انتزع استقلاله بالتحام الملك والشعب، واسترجع صحراءه بمسيرة شعبية شارك فيها 350 ألف مواطن، قادر على الحفاظ على استقراره ووحدة ترابه من دون اللجوء إلى من يدوس كرامته ويعتقد أنّ المغرب بحاجة إليه، فيما العكس هو الصحيح. وفي قضية الصحراء المغربية، واهم من يعتقد أنّها قضية "المخزن" بل هي قضية شعب ووطن، وعندما تتحد الإرادة، ويلتحم الشعب مع القيادة يأتي النصر رغم أنف الضاغنين.

باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
عمر المرابط
مهندس معلوماتيات، باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية، نائب عمدة سابقا في الضاحية الباريسية.
عمر المرابط