تلك الخضروات الأردنية في إسرائيل
كان مثيراً للعجب، أو أقلّه الاستغراب، وربما الطرافة أيضاً، أن يطلب وزير الزراعة الأردني، خالد حنيفات، من على شاشة تلفزيون المملكة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من الأردنيين الذين يصدّرون خضرواتٍ وفواكه إلى إسرائيل أن يستحوا على حالهم ("شويْ" بتعبيره بالضبط)، في هذه الظروف، ويقصد حرب العدوان على غزّة. ذلك أن في أفهامنا أن الحكومات هي التي تسمح وتمنع، فكيف لأولئك أن يورّدوا إلى إسرائيل الفريكة والفلفل الحلو والبندورة والخيار والزّهرة والبصل (وغيرها)، من دون أن يُؤذَن لهم بهذا؟ ولكن الوزير أوضح، في حينه، أن الحكومة تمنح تراخيص استيرادٍ، ولا تمنح تراخيص تصدير، ثم شرح لاحقاً أنها إذا أرادت منع تصدير سلعةٍ فتفعل بشأن كل دولةٍ، وليس إسرائيل وحدها. وأوضح، وزميلُه وزير الاتصال الحكومي، مهنّد مبيضين، أن لأي تاجرٍ تمنعه الحكومة من التصدير أن يقاضيها، فليس لها هذا الحقّ قانوناً. وكان الشرح الحكومي ذاك يردّ على مطالباتٍ شعبيةٍ وحزبيةٍ أردنية واسعة، في مسيراتٍ وتظاهراتٍ وبياناتٍ بلا عدد، بوقف كل أشكال العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال. ولمّا أكّدت الجمعية الأردنية لمصدّري ومنتجي الخضار والفواكه التزامها بعدم التصدير إلى إسرائيل، ولمّا أعلن الاتحاد العام للمزراعين الأردنيين طلبه من أعضائه قطع أي علاقاتٍ مع الجانب الإسرائيلي منذ بدء العدوان على غزّة، بدا أن "الحقّ على الطليان"، أو أنه صحيحٌ ما قالته الجمعية أن شركةً يملكها واحدٌ من أعضائها يصدّر خضرواتٍ وفواكه إلى الكيان الصهيوني "وسيتم فصلُه"، وما قاله الاتحاد عن "حالاتٍ فرديةٍ" في الداخل الفلسطيني تبيع للجانب الإسرائيلي ما تستوردُه من مزارعين أردنيين.
ومع تتالي بياناتٍ رسميةٍ، إسرائيلية وأخرى أردنية، عن تزايد أطنان الخضروات والفواكه المصدّرة من الأراضي الأردنية إلى إسرائيل، في العام الحالي عن الذي سبقه، وفي الماضي عن سابقه، ومع إيضاحات وزارة الزراعة الأردنية أن هذه الصادرات هي إلى الضفة الغربية وإلى إسرائيل وإلى أوروبا عبر ميناء إسرائيلي (ترانزيت)، يصبح واحدُنا في حاجةٍ إلى دماغ خاص، ليفهم هذه الأحاجي المتتالية، قبل أن يُسارع الوزير حنيفات، أخيراً، إلى الردّ على الذي أشاعته وزارة الصحة الإسرائيلية عن اكتشاف جرثومة الكوليرا في مياه نهر اليرموك وبعض خضروات وفواكه مستوردة من الأردن، في معرض قرارها وقف استيراد هذه المنتجات الزراعية. نفى الوزير هذا، وأكّد عدم وجود أي كوليرا، بعد فحوصاتٍ أجريت. وأسهب في شرح المسألة، وقال إن دولاً في الخليج تُصدَّر إليها البندورة الأردنية، وغيرها، استوضحت في هذا، ثم اقتنعت بالفحوص الأردنية وسلامة ما تستوردُه. وقد دلّ هذا كله على "علاقةٍ" للحكومة الأردنية بالذي يُورّد إلى إسرائيل من منتجات زراعية، ما قد يعيد النقاش إلى أصوله الأولى، عن "سلطةٍ" لها، وإنْ بكيفيّات متعيّنة، على المصدّرين من المزارعين وأصحاب شركات تصدير خضروات وفواكه. وعندما يتحدّث وزير الزراعة، قبل أيام، عن "تشابكاتٍ" أمنيةٍ وسياسيةٍ عديدة في علاقة بلاده بإسرائيل، وعن "اتفاقياتٍ ملزمة" بين إسرائيل والقطاع الخاص، فإنه يزيد أبعاد القضية المطروحة التباساً، ويعطيها أوجهاً أخرى للاستفهام، وربما ينقلها من مطرح "الحالات الفردية" تلك إلى مسؤوليةٍ حكوميةٍ ظاهرة، قوامُها الحرص على العلاقات القائمة مع إسرائيل، ومنها التجارية، وتجنيب هذه العلاقات أي تأثيراتٍ قد تُحدُثها تبعات الحرب العدوانية الجارية على غزّة. وإنْ يبقى النقاش متعلقاً، في الأول والأخير، بضمائر أولئك المصدّرين، قبل قصّة الحكومة وصلاحيّاتها المتشابكة، والذين دعت فاعليّاتٌ أردنية عريضة إلى نشر أسمائهم ومقاطعتهم والتشهير بهم، الأمر الذي لم يحدُث بنشاطٍ ملحوظ، ولم تتابعه الصحافة الأردنية المحلية بما يلزَم، وقصّرت فيه.
نعم، على الأردنيين الذين يصدّرون الفلفل الحلو والبندورة والخيار وخضروات أخرى إلى إسرائيل أن يستحوا. وعلى حكومتهم ألا تتغطّى بهم، وأن تزيد من شفافيّتها، فتقول مثلاً إن التزامها باتفاقيّاتها، الزراعيّة وغيرها، مع إسرائيل، لن يخدشه العدوان المتواصل في غزّة.