توقيف عماد حجّاج .. هجمة التطبيع والتدخل الإماراتي
لم يكن توقيف رسام الكاريكاتير، عماد حجّاج، المرة الأولى في الأردن التي يُعاقَب فيها مواطن بدعوى الإساءة لدولة أخرى، لكنها أول مرة يتم توقيف صحافي بعد نشره نقدا لحاكم دولة أخرى في صحيفة خارج الأردن، ولكن هذا عهد سطوة حاكم الإمارات، بدعم من الحاكم الفعلي للسعودية، والأهم هذا هو عهد هجمة التطبيع الشرسة مع الكيان الصهيوني.
عادة ما يتم توجيه شكوى على مقال ينشره كاتب عن الأردن في صحيفة عربية أو أجنبية، ولكن توقيف حجّاج، ثم مثوله أمام الادعاء العام، وإحالته إلى محكمة أمن الدولة، جاء في سياق مرحلة قمع وتكميم أفواه متزايدة في الأردن، وعهد من تدخل خارجي من دولةٍ عربيةٍ غنية، وهي الإمارات التي لا تقبل نقدا لها من أي صحافي أو كاتب أو فنان أو ناشط أردني، ولو نشر نقده في منبر إعلامي غير أردني. وقد جاء التوقيف في سياق سلسلة أحداثٍ تدل على تزايد تدخل دولة الإمارات في الشؤون الداخلية الأردنية وضغوطها المستمرّة على الديوان الملكي للانصياع لرغباتها، فليس سرّا مثلا أن قرار إغلاق مكتب الجزيرة في عمّان، قبل ثلاثة أعوام، والأدق تضييق مجال نشاطه فترة قبل إعادة فتحه، كان نتيجة ضغوط رسمية سعودية - إماراتية لإجبار عمّان على الدخول في النزاع الخليجي، بعد فرض الرياض وأبوظبي الحصار على قطر.
شكّل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ضربة قوية للدولة الأردنية، على الرغم من أن عمّان مرتبطة بمعاهدة مع إسرائيل منذ 1994
تتعامل الإمارات في عهد ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، مع الدول الأفقر مالياً كأنها دول تابعة مأمورة، تستطيع (الإمارات) تسيير شؤونها الداخلية، وحتى سياستها الخارجية كما تشاء. وهذا معروف في الأوساط السياسية والصحافية الأردنية، ففي مؤتمرات وزراء الخارجية العرب والاجتماعات العربية الرسمية، أصبح معتادا أن يحاول مسؤول إماراتي فرض إرادته على قرارات المؤتمرات ومواقف الدول العربية الأخرى. ويعتقد التحالف الراهن بين وليي عهد السعودية محمد بن سلمان وأبوظبي محمد بن زايد، بدعم من الإدارة الأميركية، أنه يستطيع قيادة العالم العربي، ولو بالمساهمة في تفكيكه، إلى عصر حداثة متوهمة، تنسج بها روايات تاريخية كاذبة لشرعنة المشروع الصهيوني والسياسات الأميركية، فعلى الرغم من أن معظم الدول العربية تقيم في الحاضنة الأميركية، إلا أن المذكوريْن تبرّعا أن يكونا "عريف الصف"، لمنع أي تحفّظ على طروحات واشنطن، ويتكفّلان بإلزام الجميع بتنفيذها، حتى لو كانت تهدّد استقرار بعض الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة، ومن أبرزها مثلا الأردن الذي يخضع، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، لضغط الإمارات، لحاجته لاستثماراتها، ولوجود مئات آلاف من المغتربين الأردنيين العاملين في الإمارات والسعودية، وكثيرون منهم يتعرّضون حاليا لإنهاء عقودهم نتيجة أزمة أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا، ما يهدّد الاقتصاد الأردني.
رسوم حجّاج الناقدة اتفاق الإمارات مع إسرائيل على التطبيع، والسخرية منه، تمثل أغلب الأردنيين
لا تمثل رسوم عماد حجّاج الناقدة لاتفاق الإمارات مع إسرائيل على التطبيع والسخرية منه، صاحبها وحده فقط، بل أيضا أغلب الأردنيين، ومنهم داخل أروقة الحكم، فقد شكّل هذا الاتفاق ضربة قوية للدولة الأردنية، على الرغم من أن عمّان مرتبطة بمعاهدة مع إسرائيل منذ عام 1994، فما تسمّى صفقة القرن، أو الخطة الإسرائيلية - الاميركية لتصفية الحقوق الفلسطينية خطر على استقرار النظام والدولة في الأردن، فضم أراض في الضفة الغربية وتهويد القدس، يجعلان القصر في مواجهة مباشرة مع غضب الفلسطينيين والأردنيين. وقد جاء الاتفاق المذكور في سياق قبول أبوظبي الرسمي بالشروط الأميركية – الإسرائيلية، بما في ذلك ترويج الرواية الإسرائيلية وطمس الرواية الفلسطينية، لكن الديوان الملكي الأردني في وضع ضعيف، لا يستطيع معارضة الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية علنا، ليس فقط لالتزامه بمعاهدة وادي عربة فحسب، بل لتوقيع عمّان اتفاقيات اقتصادية استراتيجية مع إسرائيل، ولم يُلغ أيا منها، أو حتى يجمّدها.
توقيف عماد حجّاج مؤشر مهم، فالرسام الموهوب لم يعبّر، أقله في الآونة الأخيرة، عن معارضته كثيرا من سياسات الدولة، فلم يكن ليصدر أي قرار بتوقيفه لولا تدخل إماراتي. ولولا ضعف الموقف الأردني، على الرغم من امتعاض واضح من الضغوط الإماراتية الرسمية على الأردن، وقضية الطلاق المريرة بين الأميرة هيا بنت الحسين وحاكم دبي محمد بن راشد. وقد نجح الملك عبدالله الثاني في الموازنة بين دعم شقيقته في محنتها وعدم السماح للقضية بتقويض العلاقات مع الإمارات، وباحتواء الاستياء الشديد داخل العائلة الملكية، إلى أن جاء الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي، ليخرج الأمير علي بن الحسين، أخا الأميرة هيا، عن طوْره، فغرّد (ريتويت) ضده، بكيفيةٍ لا تؤشّر فقط إلى غضبٍ متفجر من سوء معاملة أخته، وإنما أيضا ليعكس ضيقاً داخل العائلة المالكة والقصر من سياسات الإمارات.
هل يتحول الأردن إلى ساحة تجارب لتعميم النموذج المصري في عهد السيسي لمحاربة مناهضي التطبيع والسياسات الأميركية؟
ولا تقتصر الدعوات في الأردن إلى وقف التطبيع مغ إسرائيل على المعارضة والأحزاب والنقابات والرأي العام الشعبي، بل هناك تململ وخوف من استمرار التطبيع، حتى داخل دهاليز الحكم، أي أن هناك تأييداً، أو على الأقل تفهماً وتعاطفاً غير مسبوق، منذ توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994 مع إسرائيل مع حركات مقاومة التطبيع المحلية، ومع حركة المقاطعة (بي دي إس). وبالتالي، لا يوجد تأييد لتوقيف أي ناقد للاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي، فالخطر الداهم من سياسات الضم، وكذا السلوك الأميركي – الإسرائيلي مع الحلفاء، ومنهم الدول التي وقعت معاهدات مع إسرائيل، عزّز مجدّدا الوعي في الأردن بمخاطر التطبيع. وهو الموقف نفسه الذي سيكون تجاه أي نظام يعقد اتفاقيات تطبيع جديدة، سيما أن أصواتا مؤيدة لحكامها المطبعين تستهزئ بحقوق الفلسطينيين وتتبنّى الرواية الصهيونية، كما يحدث في الإمارات والسعودية، وإن كانت أصواتا لا تمثل الشعبين، الإماراتي والسعودي، فهي مأجورة أو مأمورة.
وتبقى الاستجابة لأي ضغوط خارجية للتضييق على شخص، أو اعتقاله، خرقا لحرية التعبير والسيادة معا. وتوقيف عماد حجّاج ثم اتهامه بـ "تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة"، بسبب نقده سياسات الإمارات، يماثل ما جرى عام 2014 مع القيادي في الإخوان المسلمين، زكي بن إرشيد، وقد سجن 18 شهرا، بعد إدانته بالتهمة نفسها. ويعكس ابتهاج إعلام الإمارات وأوساطها بقمع نقابة المعلمين الأردنيين المستمر اعتقادها أن الأردن يجب أن يجاريها، كما حدث في مصر، في حملتها لإنهاء الإخوان المسلمين، حتى على حساب الحريات والاستقرار. غير أن هذا كله لا يعفي الدولة الأردنية من المسؤولية في لجوئها إلى حل أمني لمعالجة الأزمة مع نقابة المعلمين، ولا في توقيفها عماد حجّاج، ما قد يفتح الباب لإجراءات أخرى مماثلة، يصبح الأردن فيها ساحة تجارب لتعميم النموذج المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لمحاربة مناهضي التطبيع والسياسات الأميركية.