تونس بعد تحديد موعد انتخابات الرئاسة
أخيراً، أُعلن رسمياً موعد الانتخابات الرئاسية في تونس، سيكون في 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل (2024). وبذلك استُبعِدَ السيناريو الأسوأ، الذي روّجه بعضهم عندما افترضوا بدء الحساب من 25 يوليو/ تموز (2021)، تاريخ استلام الرئيس قيس سعيّد السلطة، بدايةَ الدورة الرئاسية. وبناءً عليه، تحركت الأطراف والشخصيات المختلفة لتحديد موقفها بوضوح من مسألة المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها.
لم يكن من باب المصادفة أن يتزامن هذا الإعلان مع إيقاف الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، وأحد المتمسّكين بحقّه في المشاركة في هذه المناسبة السياسية المهمّة. والتهمة الموجهة إليه "شُبهة غسل أموال وفتح حسابات بنكية في الخارج من دون ترخيص من البنك المركزي". وفي ردّه على ذلك، صرّح المرايحي، قبل إيقافه، أن السبب الحقيقي وراء الاعتقال اعتباره قيس سعيّد "رئيساً فاشلاً"، وتقديم نفسه بديلاً. وفي هذا الاعتقال تأكيد صريح على مواصلة تجريم المعارضة وشطبها نهائياً حتى لا تعود إلى صدارة المشهد. وهو ما جعل الناشط السياسي محمد عبو يعتبر أن الرئيس سعيّد "يستغلّ السلطة لإقصاء منافسيه عبر القضاء"، ويدعو وزارة الداخلية إلى "عدم الامتثال لهذه القرارات، باعتباره مُرشحاً كغيره".
في المقابل، تتوالى أسماء المُرشّحين من مختلف المواقع، تعبيراً عن رفضهم ترك المجال فارغاً للرئيس الحالي. لكنّ أغلب الأحزاب الرئيسية المعروفة يميل إلى المقاطعة بحُجّة "فقدان شروط المنافسة"، حسبما قال المُتحدّث باسم جبهة الخلاص، نجيب الشابي. وهو موقف لم يُرضِ بعض المنتسبين إلى حركة النهضة، الذين رأوا فيه تقديراً خاطئاً للمرحلة، ودعماً غير مباشر للرئيس سعيّد حتّى ينفرد بالسباق. أما الذين استمرّوا في دعم المسار الرئاسي، بمن فيهم المجموعات القومية واليسارية، باستثناء حزب العمّال برئاسة حمّة الهمامي، فوجدوا أنفسهم مُعلّقين بين السماء والأرض. فمن جهة، يرغبون في عدم القطع مع الرئيس سعيّد، الذي أفرغ الساحة من خصومه وخصومهم، لكنهم، في المقابل، وجدوا أنفسهم مُحرجين بسبب إتلاف حقوق أساسية في البلاد، من دون أن تكون لهم القدرة على إدانة ذلك بالأسلوب الذي كانوا يمارسونه سابقاً مع حركة النهضة. مع ذلك، ستستمر هذه الأوساط في لعب دور الداعم السياسي للسلطة القائمة، على أمل تعزيز نفوذها داخل أجهزة الدولة في المرحلة المقبلة.
من المُؤكد أن قاعدة الغاضبين على الرئيس قد اتّسعت، وأن جبهاتهم ومصادر غضبهم قد تعدّدت. هؤلاء سيُعرَف عددهم وحجمهم ومدى تأثيرهم في موازين القوى، في ظلّ تراجع قوّة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي فقد القدرة على المبادرة، وتحوّل إلى منظّمة مُرتبِكة وغير قادرة على الدفاع عن قيادتها وعن منظورها. فهذه المنظّمة الوازنة سياسياً، التي من الثورة، وصمدت في وجه حركة النهضة واستنزفتها حتّى أخرجتها من السلطة ودفعتها نحو العراء، والتي فرضت نفسها أمام جميع الحكومات، أصبحت حالياً حريصةً، أكثر من أيّ وقت مضى، على تجنّب الاشتباك مع رئاسة الدولة، رغم تراجع نسبة النمو التي قاربت الصفر (0.2%)، وتصاعد حدّة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. هناك تجاذبات داخل الهياكل النقابية بين من يدافع على استمرار دعم السلطة بأيّ ثمن، في مقابل تيّار آخر حريص على عدم الارتماء كلّياً في أحضان الرئاسة. وسيكون لهذا التذبذب الأثر البالغ في الحملة الانتخابية.
التونسيون مشغولون حالياً بعطلة الصيف المُقدّسة لديهم. لن يهتموا كثيراً بالحياة السياسية. ومع شهر سبتمبر/ أيلول المقبل يعود إليهم الاهتمام نسبياً بالشأن العام. عندها ستُعرَف درجة استعدادهم لمتابعة الحملة الانتخابية وانخراطهم في الجدل الذي سيحاول المُرشّحون تغذيته في خطبهم وبرامجهم ووعودهم. عندها سيعلم الجميع إن كان الرأي العام مُهيّأ لإدراك خطورة المرحلة ودقّتها، ويُحسن الاختيار والحسم في القضايا الرئيسية، أم أنّه سينزع نحو العزوف وعدم الاهتمام وترك الحبل على الغارب، وتكون النتيجة تكرار المشهد واستمرار الدوران حول مستقبل سيزداد غموضاً.