16 نوفمبر 2024
تونس.. محاولة اغتيال التجربة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
حتى يوم الأربعاء الماضي، كان رصيد تونس الأساسي أنها تمكنت من مواصلة طريق المرحلة الانتقالية على نحو أثار تقدير العالم، وتمكّنت من تجاوز مخلفات الماضي الديكتاتوري المديد، بالتوافق والتفاهم والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بكل حرية وشفافية. وحتى يوم الأربعاء، كان الرصيد الثاني الذي تمتلكه تونس هو الاستقرار الذي نجحت في الحفاظ عليه وسط اضطرب كبير يمثله النزاع المسلح في الجارة ليبيا، وفي مواجهة تركة نظام زين العابدين بن علي التي لا تزال موجودة في أكثر من ميدان.
واجه التونسيون، من مختلف الاتجاهات السياسية العلمانية والإسلامية، أسئلة المرحلة الجديدة، وقدموا إجابات تعلي من قيمة الحوار والحرص على الوطن والديمقراطية الوليدة، وكان واضحاً، في نهاية العام الماضي، أن الأطراف كافة تتمتع بقدر من الرضى حيال إنجاز القسط الأكبر من مهام المرحلة الانتقالية، مثل كتابة الدستور الجديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. وقد راقب العرب والعالم هذه العملية التي استغرقت أربع سنوات، نظراً لأن هذا البلد الصغير هو الذي هبت منه رياح التغيير في المنطقة العربية. ومثلما كان هناك ارتياح، لأن هذه التجربة خرجت من عنق الزجاجة، كان هناك انزعاج في أوساط محلية وخارجية ليس في مصلحتها أن تتحول التجربة التونسية إلى مختبر في المنطقة العربية.
ومن دون توجيه تهمة لأحد بعينه، فإن أطرافاً كثيرة لم تكن مرتاحة للنموذج التونسي، لأنه يقود إلى تغيير المعادلة القائمة على الاستبداد من جهة، ومن جهة ثانية هناك من له مصلحة في ربط الحراك الذي عرفته بعض بلدان المنطقة العربية، منذ أربع سنوات، بالفشل، كما حصل في مصر، حيث انقلبت الثورة المضادة على الثورة، أو سورية التي حولها نظام بشار الأسد إلى ساحة للفوضى الشاملة والتدخلات الخارجية. وبالطبع، كان هناك من ينتظر لتونس طريقاً ليس بعيداً عن الجارة ليبيا، ويحاول جرها إلى مستنقع الفوضى، لكن التونسيين عبروا عن وعي مدني ووطني، من خلال الحرص على مواجهة التخريب، والحفاظ على الدولة بوصفها ملك المجتمع التونسي، وليست مزرعة بن علي، وهذا الفضل يسجل للجيش التونسي الذي نأى بنفسه عن التدخل في الشأن السياسي، وساعد السياسيين على تنظيم خلافاتهم، بما يخدم الصالح العام، كما تتوجب الإشارة إلى وعي الأطراف السياسية للمزالق الخطيرة التي كان بعضهم يريد منها شق المجتمع من خلال قوانين العزل والاجتثاث.
تونس بلد صغير، ولا يتمتع باقتصاد كبير، ومع ذلك، تمكن التونسيون من بناء بلد جديد، وهذا إنجاز يعود الفضل فيه إلى الدور الذي لعبه التعليم في تكوين مجتمع مدني تعددي، تلعب فيه النقابات المهنية دورا كبيرا في حفظ التوازنات، وليس المؤسسة العسكرية، كما هو جار العمل في أغلبية البلدان العربية، ويمكن للمرء أن يعزو كل مظاهر التقدم في تونس إلى هذه الخصوصية التي بقيت محل تقدير من الأطراف السياسية كافة، وشكلت مانعاً في طريق انفراد طرف أو نموذج.
حاول الإرهاب أن يمنع التجربة التونسية من السير إلى الإمام، وهو ليس جديداً كما يحاول بعضهم أن يرى فيه محاولة لمنع حزب نداء تونس من الحكم، فقد سبق لهؤلاء أنفسهم أن نفذوا عمليات إرهابية خلال حكم الترويكا عام 2012، وبعده. فهم، إذن، ليسوا أعداء طرف سياسي بعينه، بل هم أعداء التجربة التونسية، بما تمثله من نموذج عربي إسلامي يحتذى، ويمكن الاقتداء به، وهذا دورهم في ليبيا وسورية والعراق واليمن. وقد تبين أن هؤلاء لم يظهروا إلا لنشر الفوضى التي تبرر العودة إلى أنظمة المخابرات والاستبداد، وليس سراً أن من يقودهم، اليوم، هم زمرة تلقت تربية وتعليما لدى أجهزة أمن محترفة في سورية والعراق واليمن وليبيا.
واجه التونسيون، من مختلف الاتجاهات السياسية العلمانية والإسلامية، أسئلة المرحلة الجديدة، وقدموا إجابات تعلي من قيمة الحوار والحرص على الوطن والديمقراطية الوليدة، وكان واضحاً، في نهاية العام الماضي، أن الأطراف كافة تتمتع بقدر من الرضى حيال إنجاز القسط الأكبر من مهام المرحلة الانتقالية، مثل كتابة الدستور الجديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية. وقد راقب العرب والعالم هذه العملية التي استغرقت أربع سنوات، نظراً لأن هذا البلد الصغير هو الذي هبت منه رياح التغيير في المنطقة العربية. ومثلما كان هناك ارتياح، لأن هذه التجربة خرجت من عنق الزجاجة، كان هناك انزعاج في أوساط محلية وخارجية ليس في مصلحتها أن تتحول التجربة التونسية إلى مختبر في المنطقة العربية.
ومن دون توجيه تهمة لأحد بعينه، فإن أطرافاً كثيرة لم تكن مرتاحة للنموذج التونسي، لأنه يقود إلى تغيير المعادلة القائمة على الاستبداد من جهة، ومن جهة ثانية هناك من له مصلحة في ربط الحراك الذي عرفته بعض بلدان المنطقة العربية، منذ أربع سنوات، بالفشل، كما حصل في مصر، حيث انقلبت الثورة المضادة على الثورة، أو سورية التي حولها نظام بشار الأسد إلى ساحة للفوضى الشاملة والتدخلات الخارجية. وبالطبع، كان هناك من ينتظر لتونس طريقاً ليس بعيداً عن الجارة ليبيا، ويحاول جرها إلى مستنقع الفوضى، لكن التونسيين عبروا عن وعي مدني ووطني، من خلال الحرص على مواجهة التخريب، والحفاظ على الدولة بوصفها ملك المجتمع التونسي، وليست مزرعة بن علي، وهذا الفضل يسجل للجيش التونسي الذي نأى بنفسه عن التدخل في الشأن السياسي، وساعد السياسيين على تنظيم خلافاتهم، بما يخدم الصالح العام، كما تتوجب الإشارة إلى وعي الأطراف السياسية للمزالق الخطيرة التي كان بعضهم يريد منها شق المجتمع من خلال قوانين العزل والاجتثاث.
تونس بلد صغير، ولا يتمتع باقتصاد كبير، ومع ذلك، تمكن التونسيون من بناء بلد جديد، وهذا إنجاز يعود الفضل فيه إلى الدور الذي لعبه التعليم في تكوين مجتمع مدني تعددي، تلعب فيه النقابات المهنية دورا كبيرا في حفظ التوازنات، وليس المؤسسة العسكرية، كما هو جار العمل في أغلبية البلدان العربية، ويمكن للمرء أن يعزو كل مظاهر التقدم في تونس إلى هذه الخصوصية التي بقيت محل تقدير من الأطراف السياسية كافة، وشكلت مانعاً في طريق انفراد طرف أو نموذج.
حاول الإرهاب أن يمنع التجربة التونسية من السير إلى الإمام، وهو ليس جديداً كما يحاول بعضهم أن يرى فيه محاولة لمنع حزب نداء تونس من الحكم، فقد سبق لهؤلاء أنفسهم أن نفذوا عمليات إرهابية خلال حكم الترويكا عام 2012، وبعده. فهم، إذن، ليسوا أعداء طرف سياسي بعينه، بل هم أعداء التجربة التونسية، بما تمثله من نموذج عربي إسلامي يحتذى، ويمكن الاقتداء به، وهذا دورهم في ليبيا وسورية والعراق واليمن. وقد تبين أن هؤلاء لم يظهروا إلا لنشر الفوضى التي تبرر العودة إلى أنظمة المخابرات والاستبداد، وليس سراً أن من يقودهم، اليوم، هم زمرة تلقت تربية وتعليما لدى أجهزة أمن محترفة في سورية والعراق واليمن وليبيا.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
09 نوفمبر 2024
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024